الإنجاز الأمريكي الذي أطاح بسليماني يتطلب الكثير من العمل الدولي والإقليمي لمعالجة الانفراط المحتمل في السلوك الإيراني
ليس من المبالغة أو الأمنيات عندما نتحدث عن حقيقة التأثير الأكبر على النظام الإيراني بفقدان قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فإيران سوف تطل على العالم بشكل مختلف بعد سقوط سليماني الذي شكل عملة استراتيجية كبرى يستحيل تعويضها ولذلك يمكن القول إن المرشد الأعلى الإيراني لن يتلقى صفعة سياسية كتلك التي تلقاها بموت سليماني.
انكشاف الاستراتيجية الإيرانية بعد مقتل سليماني سيلغي الكثير من المسارات المحتملة لهذه الاستراتيجية ولن يجد المرشد من يفهم تفاصيل تلك اللغة التي نشأت بينه وبين سليماني خلال العقدين الماضيين
وهذا سياسيا يعكس بنية النظام الإيراني الفعلية الذي يتكون من مستويين، المستوى الأول يتواجد فيه رأس النظام الإيراني ألا وهو المرشد الأعلى، وفي هذا المستوى تدار السياسة الإيرانية بكل تفاصيلها داخليا وخارجيا ويقبض فيها المرشد على المؤسسات العسكرية والحرس الثوري، المستوى الثاني وتتواجد فيها الحكومة التي تنتظر فقط ما يتساقط عليها من المستوى الأول ولا تلعب الحكومة الإيرانية كتنظيم إداري أي دور تشريعي، فكل ما يجب أن يتم فعله يتم استيراده من المستوى الأول.
هذه الصورة عن بنية النظام تؤكد فرضية التأثير الأكبر لفقد سليماني وهو من الشخصيات التي زرعها المرشد حوله لتكون في المستوى الأول بدرجة أعلى بكثير من الحكومة الإيرانية، وهذا يعني أن فقدان الأشخاص في دائرة المرشد مؤثر وبدرجة كبيرة خاصة في شخصية مثل سليماني الذي تمتع بثقة المرشد من خلال إطاعة الأوامر والتفاني في خدمة المرشد.
سليماني ومنذ وصوله إلى دائرة المرشد في نهاية القرن الماضي عبر نظريا وتطبيقيا عن وجهة نظر المرشد الفعلية وسياساته تجاه المنطقة الداعية إلى تأسيس حركات شيعية عابرة للحدود من خلال المليشيات المسلحة مثل حزب الله وأنصار الله في اليمن وغيرهم، ووجد فيها المرشد شخصية تتمتع بالمخاطرة، حيث اعتمد عليه المرشد في تنفيذ أفكار خطيرة شكلت الاستراتيجية الإيرانية خاصة عندما جازف باختراق بعض الدول وشكل مليشيات خارج المنظومات العسكرية وتلاعب في البنى السياسية لدول مثل لبنان والعراق واليمن وسوريا.
انكشاف الاستراتيجية الإيرانية بعد مقتل سليماني سيلغي الكثير من المسارات المحتملة لهذه الاستراتيجية، ولن يجد المرشد من يفهم تفاصيل تلك اللغة التي نشأت بينه وبين سليماني خلال العقدين الماضيين خاصة أن مجمل السياسة الإيرانية الخارجية وتفاصيلها وأزماتها في منطقة الشرق الأوسط تدور فقط بين المرشد وسليماني، وهذا ما يرسخ فكرة صعود إيران ولكن إلى الأسفل بعد سليماني.
الإنجاز الأمريكي الذي أطاح بسليماني يتطلب الكثير من العمل الدولي والإقليمي لمعالجة الانفراط المحتمل في السلوك الإيراني، فمقتل سليماني لن يترك فراغا في إيران فقط بل سيحدث ذات الشيء من الفراغ في تلك الدول التي تمكن سليماني خلال العشرين سنة الماضية من اختراقها، بالإضافة إلى مواجهة الانفراط الإيراني عبر التهديد بامتلاك السلاح النووي.
إيران المرتبكة لا تزال تشكل خطرا على المنطقة وهذا ما سوف ينتج اندماج أكثر من الدول الكبرى لمعالجة هذا الارتباك سواء في ملف المليشيات أو الملف النووي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة