بعد تصعيد بوتين.. هل يستمر التحالف الصيني الروسي أمام الغرب؟
على "خيط رفيع"، تسير الصين في علاقاتها مع روسيا والغرب، فبينما تعمل على تعزيز علاقاتها مع موسكو، تنظر باعتبار أكبر لمصالحها في الغرب المتمثلة في بقاء اقتصادها قويا عبر التجارة والصادرات والاستثمارات.
عندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينج في أوزبكستان الأسبوع لماضي، كانت الأجواء مختلفة بوضوح عن اجتماعهما المظفّر في بكين، قبل أسابيع على بدء الحرب في أوكرانيا.
فلم يعد هناك المزيد من الترويج للصداقة "بلا حدود" التي أعلنا عنها في افتتاح الأولمبياد الشتوي. وبدلًا من ذلك، أقر بوتين بأن بكين لديها "أسئلة ومخاوف" بشأن الحرب الروسية المتعثرة في أوكرانيا، في إشارة خفية إلى حدود الدعم الصيني وعدم التناسق المتزايد في علاقتهما، بحسب تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وفي البيان الصيني عن الاجتماع، لم يشر "شي" حتى إلى "الشراكة الاستراتيجية" بين بكين وموسكو التي كثر الحديث عنها، وفق شي ين هونغ، أستاذ العلاقات الدولية، في جامعة رينمين في بكين، مشيرًا إلى أن "البيان كان الأكثر حصافة وتواضعا خلال سنوات" يصدر عن شي بشأن علاقتهما الاستراتيجية.
ورأى تحليل "سي إن إن" أن "التغيير في النبرة غير مفاجئ بالنظر إلى سلسلة الهزائم المهينة التي تكبدتها روسيا في ساحة المعركة، والتي كشفت ضعف بوتين أمام أصدقائه وأعدائه على حد سواء".
وتأتي تلك الانتكاسات في توقيت صعب لشي أيضًا، إذ تفصله أسابيع فحسب عن السعي لولاية ثالثة "تخالف القواعد" في اجتماع سياسي مهم، بحسب المصدر ذاته.
وفي عهد شي، أقامت الصين علاقات أوثق مع روسيا. ومع مواجهة محن داخلية جراء تباطؤ الاقتصاد وسياسة صفر كوفيد التي لا هوادة فيها، احتاج شي لاستعراض القوة، وليس الضعف، في تحالفه الاستراتيجي الذي أيده شخصيا.
وبعد ستة أيام، وفي تصعيد يائس للحرب المدمرة، أعلن بوتين "تعبئة جزئية" للمواطنين الروس في خطاب متلفز، وحتى أثار شبح استخدام الأسلحة النووية.
ومن غير المعروف ما إذا كان بوتين قد ناقش تصعيده المخطط له مع شي خلال محادثاتهما الأخيرة، كما يظل سؤالا مفتوحا عما إذا كان بوتين قد أخبر شي بحربه في آخر مرة التقيا فيها.
وبالنسبة لبعض المحللين الصينيين، قدمت انتكاسات بوتين وتصعيده للحرب الفرصة للصين للابتعاد عن روسيا، وهو تحول بدأ باجتماع شي مع بوتين.
وقال شي من جامعة رينمين: "لا يوجد أمام الصين خيار آخر سوى الابتعاد إلى حد ما عن بوتين بسبب تصعيده للحرب، وعدوانه، وضمه (مناطق في أوكرانيا)، وتهديده المتجدد بالحرب النووية".
لكن يتشكك آخرون؛ حيث إن اعتراف بوتين صراحة بهواجس بكين لا يشير بالضرورة إلى صدع بين الحليفين الدبلوماسيين، وبدلًا من ذلك، قد يكون وسيلة للصين لكسب بعض المساحة الدبلوماسية للمناورة، خاصة بالنظر إلى كيف أضر دعمها الضمني لروسيا بصورة بكين في أوروبا، بحسب تيريزا فالون، مديرة مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا في بروكسل.
وأضافت: "كان انطباعي أن بكين أرادت فقط شعاع نور بين الصين وروسيا، لكن أعتقد أن كثيرين بالغوا في تفسير ذلك. من أجل مصالح الصين طويلة الأمد، يتعين عليهم الاتفاق مع روسيا".
وتتوافق القوتان استراتيجيا في محاولتهما لإرساء توازن مقابل الغرب، ويتشارك الزعيمان شكوكا عميقة وعداء تجاه الولايات المتحدة، التي يعتقدان أنها عازمة على كبح الصين وروسيا. ويتشارك الاثنان أيضًا في رؤية لنظام عالمي جديد – نظام يلائم مصالح بلديهما بشكل أفضل ولا يهيمن عليه الغرب.
وبعد أيام من اجتماع شي وبوتين، عقد سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف وكبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيتشي محادثات أمنية بمقاطعة فوجيان جنوب الصين، متعهدين "بتنفيذ التوافق" الذي توصل إليه زعيمهما، وتعزيز تنسيقهما الأمني والمزيد من التعاون العسكري.
كما يتطلع البلدان إلى تعزيز الروابط الاقتصادية، حيث من المتوقع أن تصل التجارة الثنائية إلى 200 مليار دولار "في المستقبل القريب"، بحسب بوتين.
وقال بريان هارت الزميل بمشروع الطاقة الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لا أعتقد أننا رأينا انقساما كبيرا بين روسيا والصين. أعتبر ذلك بمثابة استمرار لمحاولة الصين السير على الخط الرفيع للغاية تجاه روسيا والتأكد أنها تواصل دعم روسيا إلى الحد الذي تستطيعه بدون المساس بمصالحها الخاصة".
وحتى الآن، تجنبت بكين بحذر أي أعمال من شأنها انتهاك العقوبات الغربية، مثل تقديم مساعدات عسكرية مباشرة إلى موسكو. "لكنها قدمت شريان حياة للاقتصاد الصيني المترنح من خلال زيادة مشترياتها من الوقود والطاقة بسعر مغر".
وارتفعت واردات الصين من الفحم الروسي في أغسطس/آب بنسبة 57% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال خمسة أعوام؛ كما ارتفعت وارداتها من النفط الخام بنسبة 28% عن العام السابق.
aXA6IDMuMTQ0LjExNS4xMjUg جزيرة ام اند امز