سوريا تكشف لأول مرة عن عقدها لقاء جمع بين مسؤولين من أجهزة استخباراتها مع مسؤولين من الاستخبارات التركية في موسكو
أعلنت الحكومة السورية لأول مرة قبل أيام عبر وكالتها الإخبارية الرسمية "سانا" عن عقدها لقاء جمع بين مسؤولين من أجهزة استخباراتها مع مسؤولين من الاستخبارات التركية في العاصمة الروسية، موسكو، حيث التقى علي مملوك رئيس مكتب "الأمن الوطني" مع هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركية والمعروف اختصاراً بـ“MIT”.
ورغم أنها المرة الأولى التي تكشف فيها وكالة "سانا" عن حصول مثل هذا اللقاء الاستخباراتي، فإن لقاءاتٍ مشابهة كانت قد تمّت بين الطرفين السوري والتركي في وقتٍ سابق، إلى جانب أن مسؤولين أتراكا اعترفوا قبل أشهر بالقول إن التواصل الاستخباراتي مع دمشق لم ينقطع طيلة السنوات الماضية، وهذا يعني أن كلا الطرفين يسعى لعودة المياه إلى مجاريها بعد القطيعة التي كانت بينهما على خلفية دعم أنقرة للجماعات المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011.
ومع أن "سانا" ومعها وسائل الإعلام التركية الحكومية لم تكشف عن تفاصيل دقيقة حول مضمون لقاء مملوك - فيدان، إلا أن بعضها ذكر خطوطاً عريضة، ومنها تمسّك الطرف الأول بضرورة عودة مدينة إدلب لسيطرة الحكومة السورية، الأمر الذي تعمل عليه قوات الحكومة بدعمٍ روسي منذ أشهر، لكنها لم تكشف بعد، ماذا طلب الطرف الثاني من مملوك؟!
توقيت اللقاء وموقعه يوحي بوجود رغبة روسيّة في قطع الطريق أمام مباحثات دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية، خاصة أن موسكو تحاول تشكيل قوات عسكريّة تحت إشرافها من "العشائر العربية"
ورغم أن "سانا" نفت تطرّق الطرفين السوري - التركي لمصير المقاتلين الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، لكن توقيت اللقاء الّذي جاء بعد أيامٍ من الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق، وكذلك بعد أقل من شهرٍ على زيارة مملوك إلى القامشلي، يترك الكثير من إشارات الاستفهام.
والهدف الرئيسي للطرفين الّذي لا يحتاج لبرهان، هو محاولة كليهما تحييد قوات سوريا الديمقراطية عما يحصل، وهذه من البديهيات في العلاقة بينهما. وعلى سبيل المثال، حين كان الجيش التركي يهاجم هذه القوات مع مرتزقته السوريين كان مملوك في القامشلي يطلب من بعض "العشائر العربية" قبل زيارته إلى موسكو سحب أبنائها المقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية، لكنه لم ينجح في ذلك.
وكذلك حاول مملوك خلال الزيارة ذاتها، تحريض عشائر أخرى في تلك المنطقة لاستخدام أبنائها في شنّ هجماتٍ على مواقع قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي بدعمٍ إيراني، وفشل في ذلك أيضاً بعد مقتل قاسم سليماني، الأمر الّذي لم يترك أمامه سوى أن يقرع باب الاستخبارات التركية من بوابة موسكو.
لذلك توقيت اللقاء وموقعه يوحي بوجود رغبة روسيّة في قطع الطريق أمام مباحثات دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية خاصة أن موسكو تحاول تشكيل قواتٍ عسكريّة تحت إشرافها من "العشائر العربية" في مناطق قوات سوريا الديمقراطية الواقعة شرقي نهر الفرات على الحدود مع تركيا، دون أن تعلن عن الهدف منها، الأمر الّذي يهدد مصير العلاقة بين دمشق وسوريا الديمقراطية.
ولهذا، ستكون الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت وعصيبة على قوات سوريا الديمقراطية إذا كان مملوك قد اتفق مع فيدان على أمورٍ أخرى لم يعلن عنها. فالهدف الأساسي لأنقرة هو إنهاء قوات سوريا الديمقراطية، ولا تعارض دمشق هذا الأمر على الإطلاق، بل تسعى إليه باستمرار، شريطة أن تسحب أنقرة جهادييها من بعض مناطق البلاد.
وبالتالي، سيواصل كلا الطرفين، السوري والتركي، مباحثاتهما الاستخباراتية على أعلى المستويات، وفي هذا الوقت ستحاول دمشق السيطرة على إدلب وريفها وبقية الجيوب الصغيرة التي تسيطر عليها معارضتها في حلب وحماة واللاذقية.
وباعتقادي ستكون هذه المناطق المهر الّذي قدّمته أنقرة لدمشق، كي تباشر الأخيرة ضغوطها السياسية والعسكرية على قوات سوريا الديمقراطية في وقتٍ لاحق بناءً على رغبةٍ تركيّة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة