تفاجأ العالم بإقرار قانون جاستا من قبل الكونغرس الأميركي، والذي اعترض عليه كثير من دول العالم في الشرق والغرب، لكونه يمثّل انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول، وخرقاً للقانون الدولي، وإخضاعاً للدول لسلطة القضاء الأميركي المحلي، وفتح الباب لتقويض العدالة، وتسييس
تفاجأ العالم بإقرار قانون جاستا من قبل الكونغرس الأميركي، والذي اعترض عليه كثير من دول العالم في الشرق والغرب، لكونه يمثّل انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول، وخرقاً للقانون الدولي، وإخضاعاً للدول لسلطة القضاء الأميركي المحلي، وفتح الباب لتقويض العدالة، وتسييس القضاء، واتخاذه أداة للابتزاز وتصفية الحسابات، ومؤاخذة الدول والشعوب بجرائم لم يرتكبوها، وتحميلهم مسؤولية جناية أفراد موتورين، وتهديد المصالح الاقتصادية، وتقويض الجهود الأمنية، وإلجاء الدول الأخرى لسن قوانين مماثلة، مما يفضي إلى فوضى في العلاقات الدولية، وقد وضّح أبعاد خطورة هذا القانون مسؤولون سياسيون وأمنيون وخبراء قانونيون واقتصاديون وغيرهم، وتحدثوا عن تداعيات ارتدادها على الولايات المتحدة نفسها، وما ينطوي عليه من مخاطر تجاه مصالحها وأمنها القومي، قبل أن يمس هذا القانون غيرها.
وإن من العجب أن يتبرم بعض داعمي هذا القانون في الكونغرس من نقد القانون وبيان أخطاره وأضراره وانتهاكه للقوانين والأعراف، ليقول في منطق عجيب: إذا كنتم غير ضالعين في الهجوم فيجب ألا تخشوا القانون، وكأن هدم حصانة الدول وسيادتها وخرق القوانين الدولية كل ذلك أمر طبيعي اعتيادي لا يجب التبرم منه، وكأن تأليب الرأي العام ضد دولة ما وتوزيع التهم ضدها بدعم الإرهاب أو رعايته وإصدار الأحكام المسبقة لإدانتها أمر مقبول لا ينبغي التبرم منه، وكأن تجاهل التقارير الرسمية والتصريحات التي تنفي بشكل قاطع تورط هذه الدولة في الهجمات الإرهابية شيء مقبول لا ينبغي الاعتراض عليه، وكأن التعامي عن دور هذه الدولة في مكافحة الإرهاب واستهداف الإرهابيين لها وجهودها في التصدي لهم والنكول عن ذلك إلى ربطها بالإرهاب الذي تحاربه شيء منطقي معقول، وكأنه لا بد من الإدانة بأي شكل ولو باختراع قوانين غير منطقية لا تحترم الآخرين، وهذا منطق عجيب لا يقبله منصف.
إن الحديث عن قانون جاستا لا ينفك عن الحديث عن مجمل الأحداث والمتغيرات في المنطقة والعالم، فإن كل هذه الأحداث تؤكد بوضوح أهمية تعزيز التكاتف والتلاحم، سواء بين الدول الخليجية أو بين الدول العربية والإسلامية، لتحفظ سيادتها، وتحمي مصالحها، وتتكامل فيما بينها، لمواجهة التحديات الراهنة والطارئة والمفاجئة، في عالم مشحون بكثير من المشكلات والتوترات، وفي واقع لا تبحث فيه الدول الكبرى إلا عن مصالحها، ولا تحسب حساباً إلا للأقوياء، وفي ظل ظروف ومتغيرات متجددة تتجاوز حدود الالتزام بالمواثيق الدولية والحقوق الإنسانية وقواعد العقل والمنطق، وكلما ازداد تماسك الدول العربية والإسلامية صلابة ورؤاها توحداً واتساقاً واستراتيجياتها حكمة واستشرافاً كلما أبحرت سفنها بأمن وسلام واستقرار، والصف الخليجي بحمد الله صف متلاحم متماسك، لا تؤثر فيه العواصف، ولا تزيده التحديات إلا قوة وصلابة.
ومن الدروس المستفادة من التاريخ والواقع عموماً ومن الظروف التي أحيطت بصدور قانون جاستا خصوصاً أن سلاح الإعلام لا يقل أهمية وخطورة عن أي سلاح آخر، بل يزداد تأثير هذا السلاح في الواقع المعاصر، في ظل الثورة التقنية، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود القنوات والصحف الموجهة، وتوفر الأدوات الكثيرة المسخرة للتأثير في الرأي العام في المجتمعات، وإذا كانت هذه الأدوات أفرزت من قريب في الشرق الأوسط الربيع العربي المشؤوم فهي قادرة على إفراز أي نوع من الحراك السلبي في العالم، عن طريق المتاجرة بعواطف الناس واستغلال آلام الضحايا وبث القناعات المغلوطة، سواء بهدف إسقاط أنظمة أو تشريع قوانين أو شن حروب أو غير ذلك، ومن يعمل اليوم على الإعلام أكثر يملك قوة أكبر على التأثير، وهو ما يملي علينا بالضرورة أن نولي هذا الأمر أهمية كبرى، ويستدعي منا جهوداً فاعلة فيما يخص هذا الجانب، من مثل إيجاد مراكز إعلامية على أعلى مستوى من التخصص، تُعنى برصد ومتابعة أي نشاط إعلامي خارجي موجه ضدنا أولاً بأول، يتبعه تحرك إعلامي فوري بمختلف الوسائل الإعلامية المؤثرة متى استدعى الأمر ذلك للوقاية والعلاج، وهكذا أيضاً في المجالات الأكاديمية في الجامعات والصروح العلمية ومراكز الدراسات والبحوث، فلا بد أن يكون هناك متابعة للرسائل والأطروحات والبحوث ذات الصلة، وتغذية هذا الجانب بما يكشف الحقائق الصحيحة للأكاديميين والمثقفين الغربيين والأميركيين وغيرهم.
ومما نتعلمه من المتغيرات كذلك بما في ذلك صدور قانون جاستا التزام التعامل الحكيم السديد مع ملف الإرهاب، وانتهاج استراتيجية صحيحة في تفكيك الأفكار والتيارات الإرهابية الدخيلة، وأن نحذر كل الحذر سواء أكنا أكاديميين أم مثقفين أم إعلاميين أم غير ذلك من ربط الإرهاب بدولنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا وثقافتنا وديننا بأي شكل من الأشكال، لئلا يقوم أي انتهازي أو مغرض باستغلال أي تصور مغلوط لخدمة أهدافه، وأن نتحلى في معركتنا الفكرية والإعلامية ضد الإرهاب بحرفية عالية وحس كبير بالمسؤولية وإدارة صحيحة لنقد الأفكار وتبصر عميق بمجريات الواقع ونظر دقيق في المصالح والمفاسد والمآلات، والمسلمون بحمد الله أمة الوسطية والاعتدال، والإرهاب دخيل طارئ على أفراد وتيارات شذوا عن الطريق المستقيم.
وأخيراً فإننا نخاطب العقلاء في أميركا، وندعوهم للتحلي بالإنصاف والموضوعية، وترجيح صوت العقل، والعمل على احترام الدول الأخرى، وتجنيب أنفسهم وغيرهم القوانين المجحفة التي تضر بهم قبل أن تضر بغيرهم.
نقلًا عن صحيفة البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة