ما الذي يجعل إغلاق الحكومة الأمريكية مختلفا وأكثر صعوبة؟

الإغلاقات الحكومية سمة متكررة في السياسة الأمريكية، لكن هذا الإغلاق يحمل مرارة خاصة بسبب الديناميكيات السياسية والخلافات بين الحزبين.
وفي أحدث قرارات متعلقة بإغلاق الحكومة الأمريكية، تم تعليق بعض الخدمات الحكومية مؤقتًا، ومن المتوقع أن يُمنح حوالي 750 ألف شخص إجازة غير مدفوعة الأجر، إذ لم يتمكن الجمهوريون والديمقراطيون من الاتفاق على خطة للمضي قدمًا في مشروع قانون الإنفاق.
وحتى الآن، فشلت محاولات التصويت لإنهاء هذا الجمود مرارًا وتكرارًا، ومن الصعب رؤية مخرج هذه المرة، لأن كلا الحزبين - وكذلك الرئيس دونالد ترامب - يرى في التمسك بموقفه بعض الفائدة.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الإثنين إنه سعيد بالعمل مع الديمقراطيين بشأن سياسة الرعاية الصحية ولكن يجب أن ينتهي الإغلاق الحكومي أولا.
وتمثل الرعاية الصحية نقطة شائكة رئيسية أمام محاولات إنهاء الإغلاق الحكومي.
وكتب ترامب أمس الإثنين، على منصته للتواصل الاجتماعي (تروث سوشيال) "في الواقع، عليهم أن يفتحوا حكومتنا الليلة!".
رغم ذلك، يتسم إغلاق الحكومة الأمريكية الحالي بالعديد من الاختلافات عن الإغلاقات الحكومية السابقة في الولايات المتحدة، تجعله أكثر صعوبة عن أي نسخة إغلاق سابقة.
ما الأسباب التي أدت إلى إغلاق الحكومة الأمريكية؟
لطالما طالبت القاعدة الديمقراطية منذ أشهر بأن يقاوم حزبهم إدارة ترامب بشراسة أكبر، والآن، لدى قيادة الحزب فرصة لإثبات موقفها.
وفي مارس/آذار، تعرّض زعيم مجلس الشيوخ تشاك شومر لانتقادات لاذعة لمساعدته في إقرار مشروع قانون إنفاق جمهوري لتجنب الإغلاق، وهذه المرة، يُصرّ على موقفه.
وتعتبر هذه فرصة للديمقراطيين لإظهار قدرتهم على استعادة بعض السيطرة من إدارةٍ سارعت في تنفيذ أجندتها.
وإن رفض دعم خطة الإنفاق الجمهورية هذه المرة ينطوي على مخاطر سياسية تتمثل في شعور الجمهور الأوسع بالإحباط مع استمرار الخلاف وتزايد عواقبه.
ويتمثل المطلب الديمقراطي الرئيسي في تجديد إعانات التأمين الصحي المنتهية الصلاحية، والتي يقولون إنها ستؤثر سلبًا على العائلات الأمريكية، ويقول الجمهوريون إنهم سيناقشون هذه الإعانات عند إعادة فتح الحكومة.
لكن تمسك الديمقراطيين بموقفهم هذه المرة، يركز بشكل أكبر على ترامب واستخدامه للسلطات التنفيذية لإلغاء أو حجب الأموال التي أقرها الكونغرس، وهو ما فعله مع المساعدات الخارجية وبرامج أخرى.
إغلاق الحكومة الأمريكية فرصة للجمهوريين
ولم يُخف ترامب وأحد مسؤوليه الرئيسيين، راسل فوت، وجود فرصة لديهما لاستغلال المزيد من التخفيضات في القوى العاملة الفيدرالية التي طالت فترة الرئاسة الثانية للحزب الجمهوري حتى الآن.
وصرح ترامب نفسه الأسبوع الماضي بأن إغلاق الحكومة الأمريكية أتاح له "فرصة غير مسبوقة"، وأنه سيسعى إلى تقليص "الوكالات الديمقراطية".
وأعلن البيت الأبيض أنه سيواجه "مهمة شاقة" تتمثل في تسريح أعداد كبيرة من الموظفين للحفاظ على استمرار عمل الخدمات الحكومية الأساسية إذا استمر الإغلاق.
ويقولون إنهم بحاجة إلى توفير أموال دافعي الضرائب التي تُنفق على الهدر والاحتيال، وقالت السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت إن هذا مجرد "عقلانية مالية".
ولا يزال نطاق عمليات التسريح المحتملة غير واضح، لكن البيت الأبيض يجري مناقشات مع مكتب الإدارة والميزانية، الذي يرأسه فوغت.
وأعلن فوغت بالفعل تعليق التمويل الفيدرالي للمناطق التي يديرها الديمقراطيون في البلاد، بما في ذلك مدينتا نيويورك وشيكاغو.
وبحسب وكالة رويترز، تراجع البيت الأبيض أمس الإثنين عن تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن موظفين بالحكومة يجري تسريحهم بالفعل بسبب الإغلاق الحكومي، لكنه حذر من أن فقد الوظائف قد يحدث، في الوقت الذي يبدو فيه أن الأزمة ستمتد.
ورفض مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون للمرة الخامسة إجراءات تهدف لتمويل الوكالات الاتحادية، مع عدم وجود دعم كاف لاقتراح جمهوري لتمويل العمليات حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني وآخر ديمقراطي من شأنه أيضا تمديد دعم الرعاية الصحية الذي ينقضي أجله في نهاية العام.
وكان ترامب قد قال مساء يوم الأحد إن عمليات تسريح تتم في الوقت الحالي، لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت قالت أمس الإثنين إنه كان يشير إلى الذين تم منحهم إجازات مؤقتة منذ أن سمح الكونغرس بانقضاء أجل التمويل في مطلع أكتوبر/تشرين الأول.
وأضافت في إفادة صحفية أن مكتب الميزانية في البيت الأبيض "يواصل العمل مع الوكالات بشأن من سيتعين للأسف تسريحهم إذا استمر هذا الإغلاق"
الإغلاق الحكومي يكشف هشاشة الثقة
وفي حين اتسمت عمليات إغلاق الحكومة الأمريكية السابقة بمحادثات ليلية بين الحزبين في محاولة لإعادة تشغيل الخدمات الحكومية، يبدو أن روح التعاون هذه المرة غائبة.
وبدلاً من ذلك، ساد التوتر، واستمرت العداوة خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث تبادل الجمهوريون والديمقراطيون اللوم على بعضهم البعض في التسبب في هذا الجمود.
واتهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وهو جمهوري، الديمقراطيين بعدم الجدية في التفاوض، والتلكؤ في التوصل إلى اتفاق "للحصول على غطاء سياسي".
وفي غضون ذلك، وجّه شومر الاتهام نفسه للطرف الآخر، قائلاً إن وعد الجمهوريين بمناقشة دعم الرعاية الصحية بمجرد إعادة فتح الحكومة لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد.
وقد أجج ترامب نفسه الوضع بنشره صورة مثيرة للجدل مُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي لشومر وكبير الديمقراطيين في مجلس النواب، حكيم جيفريز، يظهر فيها جيفريز مرتديًا قبعة مكسيكية كبيرة وشاربًا.
ووصف جيفريز وديمقراطيون آخرون هذا الأمر بالعنصري، وهو ما نفاه نائب الرئيس جيه دي فانس.
الاقتصاد الأمريكي هش أمام الإغلاق الحكومي
يتوقع المحللون أن يُمنح حوالي 40% من القوى العاملة الفيدرالية - أي أكثر من 800 ألف شخص - إجازة بدون أجر نتيجةً للإغلاق الحكومي.
وسيؤدي ذلك إلى انخفاض الإنفاق، وستكون له تداعيات أوسع نطاقًا، إذ سيتوقف إصدار التصاريح البيئية، وموافقات براءات الاختراع، ودفع مستحقات المقاولين، وغيرها من الأنشطة الحكومية المرتبطة بالقطاع الخاص.
كما يُضيف الإغلاق الحكومي الأمريكي حالةً جديدة من عدم اليقين إلى اقتصادٍ يعاني بالفعل من تقلباتٍ تتراوح بين التعريفات الجمركية، والتخفيضات السابقة في الإنفاق الحكومي، ومداهمات الهجرة، والذكاء الاصطناعي.
و يُقدّر المحللون أن هذا الإغلاق قد يُقلّص النمو الاقتصادي الأمريكي بما يصل إلى 0.2 نقطة مئوية لكل أسبوع.
لكن الاقتصاد عادةً ما يستعيد معظم نشاطه المفقود بعد انتهاء الإغلاق، كما يحدث بعد الاضطرابات الناجمة عن كارثة طبيعية.
وقد يكون هذا أحد أسباب عدم تأثر سوق الأسهم إلى حد كبير بالأزمة الحالية.
ومن ناحية أخرى، يقول المحللون إنه إذا نفّذ ترامب تهديده بالتسريحات الجماعية، فقد يكون الضرر أطول أمدًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز