وينبغي في الوقت نفسه الوقوف بوجه التطرف والعنصرية التي باتت رائحتها تزكم الأنوف في أوروبا.
لم تشهد السويد في تاريخها مخاوف من تصاعد العنصرية وارتفاع حظوظ اليمين المتطرف، كما شهدته في مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية التي انتهت في سبتمبر 2018.
ولعل هذا الصعود المتنامي للتطرف الأوروبي سببه الأول موجة الهجرة الكبيرة للاجئين من الشرق الأوسط، وارتفاع معدلات الجريمة التي لم تألفها أوروبا من قبل، ووقوع العديد من العمليات الإرهابية في قلب القارة التي فتحت ذراعيها للهاربين من الموت والديكتاتورية. لكن كل ذلك لا يبرر أن تتحول مدن الإنسانية والقانون والعدل إلى بؤر للتشدد والتطرف والعنصرية مهما كان توجهها، إرهابية "إسلاموية" أو عنصرية نازية متشددة تكره كل ما هو أجنبي، أو كما يسمونه هنا كل "أصحاب الشعر الأسود"؟!
تقع على عاتق الجاليات العربية المهاجرة في أوروبا مسؤولية كبيرة لإبراز الوجه الحضاري للمهاجر العربي، وعدم الركون إلى الصورة السلبية التي يحاول اليمين المتطرف إلصاقها بالمهاجرين العرب في كل مناسبة!!
ومثلما نقول ونؤكد مراراً أننا نقف بوجه الإرهاب الذي يتمثل في المنظمات "الإسلاموية" المتطرفة، فعلينا أن نعي تماماً أن اليمين المتطرف العنصري في أوروبا ذات الجذور النازية، يبقى الخطر الجسيم الذي يمكن أن يعصف بالقارة الأوروبية في حال صعوده وتنامي دوره السياسي والبرلماني ، ما يمكّنه من تغيير القوانين الإنسانية التي عُرفت بها أوروبا، إلى قوانين عنصرية متشددة تبغض الأجنبي، وتغلق أبواب أوروبا أمام غير الأوروبيين.
ولولا القوانين التي شرعتها دول أوروبا منذ قرون لكان التطرف الأوروبي قد أتى على الأخضر واليابس، وفتح باباً جديداً من الصراعات والأزمات؟
أعجبتني ذات يوم صورتان بادر بالتقاطهما كادر مستشفى سويدي، الأولى ضمت جميع الأطباء في المستشفى وكان فيها ما يقارب (200) طبيب من أصول مختلطة، والثانية كان فيها بحدود (25) طبياً من أصول سويدية فقط!! وكانت هذه رسالة من إدارة المستشفى أن هناك نسبة كبيرة جداً من الأطباء في السويد من أصول مهاجرة ، وأن المواطن السويدي عندما يكون بحاجة إلى العلاج فإنه لن يتساءل عن أصول الطبيب، إنما يبحث عن العلاج فقط!!
ويمكن القياس على هذا المستشفى السويدي في مختلف مجالات الحياة في أوروبا، التي أسهم في بنائها المهاجر كما أسهم فيها "صاحب الشعر الأشقر"؟! وبدونهم جميعاً لا يمكن لأوروبا أن تكون بهذا الوجه البهي، الذي ينادي بحقوق الإنسان وحرية الفرد في الدين والمعتقد والتوجه الفكري والسياسي.
ومن هنا، تقع على عاتق الجاليات العربية المهاجرة في أوروبا مسؤولية كبيرة لإبراز الوجه الحضاري للمهاجر العربي، وعدم الركون إلى الصورة السلبية التي يحاول اليمين المتطرف إلصاقها بالمهاجرين العرب في كل مناسبة!!
وينبغي في الوقت نفسه، الوقوف في وجه التطرف والعنصرية التي باتت رائحتها تزكم الأنوف في أوروبا، باعتبار أن هذه الفئة لا تقل إجراماً عن التطرف الإرهابي المحسوب على الإسلام وهو منه براء!! وليس العمل على طريقة بعض المهاجرين الذين يساندون اليمين المتطرف نكاية "بالتطرف الإسلاموي"، في محاولة بائسة للعب دور المبغض للتطرف بالسقوط في وحل تطرف آخر سيكون قاتلاً لهم ولكل القيم الإنسانية: ما إن تحين له الفرصة؟!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة