يمكن تفسير الموقف القطري الحالي على أنه موقف خلاف استراتيجي جوهري مع القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة.
«قطر مرشحة لتكون إسرائيل الخليج العربي».. هكذا وصفها البروفيسور الأمريكي «آلان درشوتز»، الأستاذ بجامعة هارفارد، الذي يعمل مستشاراً للإدارة القطرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
دور «إسرائيل الخليج» يتعارض مع دور «عضو في مجلس التعاون الخليجي العربي».
«العدو اليوم» بمفهوم الأمن القومي القطري موجود في الرياض وأبوظبي والقاهرة، والأعداء الآن ليسوا في إيران أو تركيا أو إسرائيل، والأعداء من الزعماء الآن ليسوا أردوغان أو خامنئي أو نتنياهو لكنهم عبدالفتاح السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد
هذا التناقض الجوهرى، وليس الثانوي، يجعل حال الاستقطاب عند الدوحة حادة للغاية إذا جاءت أزمة إقليمية تضطرها للخيار الواضح بين الخيار الخليجي العربي أو الخيار الإسرائيلي الصهيوني.
من هنا يمكن فهم أن كل خطوط الإدارة والأجهزة في الدوحة تتم وفق 3 معايير جوهرية:
1- عدم التناقض مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
2- توظيف كل خيوط الاتصالات مع القوى المعادية للمصالح الأمريكية -مؤقتاً- مثل إيران، تركيا، حماس، طالبان، داعش، الحشد الشعبي العراقي، بوكوحرام، من أجل التأثير الإيجابي عليها لمصلحة واشنطن وتل أبيب.
3- إن كل هذه الاتصالات والمواقف التي تبدو متشددة، وكل التصريحات التي تصدر من وسائل إعلامية تابعة مباشرة أو ممولة بالكامل أو جزئياً من الدوحة هي «بالتفاهم والتنسيق المسبق» مع الحلفاء الأمريكان والإسرائيليين بهدف خلق رصيد من المصداقية لدى تيارين شعبويين في العالم العربي وهما «تيار الإسلام السياسي والتيار القومي العربي».
وقد يقول قائل مُوالٍ للاتجاه والمصالح القطرية «ألا توجد لدى الرياض وأبوظبي مصالح أمريكية؟ وألا تسعيان إلى سلام عربي-إسرائيلي؟ من ثم يصبح السؤال: إذن لماذا تلومون قطر؟ وما الفارق بين موقف الدوحة وموقف الرياض وأبوظبي من تلك المسألة؟».
الإجابة واضحة ومباشرة ويمكن تحديدها بصراحة دون التباس على النحو التالي:
1- أن كلاً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، يؤمنان إيماناً راسخاً بأهمية العلاقات الاستراتيجية بين بلديهما والولايات المتحدة الأمريكية بوصفها شريكاً استراتيجياً تاريخياً وأقوى دولة في العالم، ودولة لا يمكن تجاهل وزنها النسبي في سياسة وأمن واقتصاد العالم.
2- ويؤمن كل من الأمير محمد والشيخ محمد بالتعاون العسكري والتنسيق الأمني مع واشنطن.
لكن.. هذا يختلف تماماً عن جوهر التعاون القطري مع واشنطن.
الأمير محمد والشيخ محمد يؤمنان «بالشراكة والتعاون» مع الولايات المتحدة الأمريكية و«ليس بالعمالة معها».
الأمير محمد والشيخ محمد يؤمنان بالتعاون العسكري والتنسيق الأمني مع واشنطن بما يخدم مصالح بلديهما وليس من قبيل تأجير أراضي الوطن كي تتصرف فيها القوات الأمريكية كما تشاء وقتما تشاء، كما هو حادث في اتفاق «قاعدة العديد».
باختصار ومباشرة تامة، هناك هوة لا نهائية بين التعاون والانصياع الكامل لإرادة قوى عظمى.
وحتى لا يكون هذا مجرد دفاع عاطفي بلا دلائل ارجع للتاريخ:
1- قيام الملك فهد بن عبدالعزيز بطرد السفير الأمريكي من ديوانه حينما اعترض الأخير على صفقة السعودية مع الصين لشراء صواريخ صينية.
2- قيام الإمارات بشراء أسلحة من دول متعددة خارج المصالح الأمريكية من روسيا إلى الصين، وتوقيعها اتفاقيات تعاون مع الهند وفرنسا.
3- الزيارات المتعددة للمسئولين السعوديين والإماراتيين لموسكو والتعاون العسكري معها.
4- حجم العلاقات التجارية بين أبوظبي والرياض وجمهورية الصين الشعبية.
5- وقوف الرياض وأبوظبي بقوة وحسم قاطعين ضد واشنطن وضد الرئيس باراك أوباما في مسألة موقف الولايات المتحدة من ثورة 2013 في مصر، وإنهاء حكم جماعة الإخوان.
وسوف يذكر التاريخ أنه في الوقت الذي عرّضت فيه كل من الرياض وأبوظبي مصالحهما الاستراتيجية مع واشنطن للخطر عند هذه الأزمة كانت الدوحة وأنقرة -في الوقت ذاته- تضغطان بكل قوة على البيت الأبيض لإدانة ثورة 2013 في مصر، والعمل على عودة حكم الإخوان لمصر.
6- موقف الرياض وأبوظبي من ضرورة الاستمرار في استعادة الشرعية في اليمن بالمخالفة مع الموقف الأمريكي.
7- موقف الرياض وأبوظبي والقاهرة وعمان من عدم المشاركة في الترويج والتسويق لما يعرف بـ«صفقة القرن» إذا كانت لن تؤدي إلى مشروع الدولتين.
إذن، نحن لا نتحدث عن اختلال أو اختلاف في المزاج السياسي لمن يحكم في الدوحة تجاه أشقائه العرب، لكننا نتحدث عن خيار صريح وواضح من قطر في مسائل خلافية جوهرية انفجرت بشدة في وجه صانعيها، حينما أصبحت الخيارات ضرورة لا بديل عنها، وأصبحت صيغة قطر في الإمساك بالعصى من كل الاتجاهات مستحيلة تماماً ونهائياً.
من أجل ذلك يمكن تفسير الموقف القطري الحالي على أنه موقف خلاف استراتيجي جوهري مع القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة، وأن مجمل العمل الدؤوب للسياسة القطرية الآن هو الإضرار بمصالح هذه الدول من أجل إسقاط زعاماتها.
«العدو اليوم» بمفهوم الأمن القومي القطري موجود في الرياض وأبوظبي والقاهرة، والأعداء الآن ليسوا في إيران أو تركيا أو إسرائيل، والأعداء من الزعماء الآن ليسوا أردوغان أو خامنئي أو نتنياهو لكنهم عبدالفتاح السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد.. مما سبق بالأمس واليوم يمكن أن نفهم غداً ماذا تفعل قطر اليوم وغداً وبعد غد؟!
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة