توقعوا ارتفاع منسوب التصعيد، والغلو في أفعال العداء المادي في اليمن وليبيا وسيناء وعلى الحدود السعودية اليمنية
سألت محدِّثي الخليجي رفيع المستوى، والذي يعد من كبار الشخصيات العامة في بلاده وفي منطقة الخليج: هل ترى أن هناك حلاً ممكناً بين قطر والذين يعارضونها الآن في العالم العربي؟
صمت محدِّثي ليفكر في الإجابة.. وقبل أن أستمع إليه عُدت واستكملت سؤالي الأول بآخر: «هل يمكن إيجاد حل في ظل وجود نفس الأنظمة وذات الحكام؟ بمعنى هل يمكن أن نستكمل اللعبة بذات اللاعبين؟»
بعض العقلاء يقولون إن الدوحة يجب أن تهدئ اللعب، وتخفّض النبرة في العداء، تتوقف عن أي أفعال ضد فريق معارضيها العرب، ولكن العالمين ببواطن الأمور وبمفاتيح ومفاصل صناعة القرار في قطر يقولون «توقعوا العكس تماماً»
ابتسم محدِّثي وقال: هذا سؤال شديد الصعوبة وشديد الخبث!
ثم عاد وقال: اسمع يا عزيزي، إن ما حدث بين قطر وجيرانها هو مثل ما يحدث في آثار الخلافات الزوجية الحادة بين الزوج والزوجة.
تخابثت وسألت: يعني إيه؟
قال محدثي: أن يؤدي الخلاف إلى تشويه مزمن وجارح يؤدي إلى حالة من الشك وعدم الثقة ويفتح جرحاً أبدياً لا يندمل طالما ظل أصحابه في مركز القرار.
هنا أدركت أنني وصلت إلى الخط الأحمر في الحوار وأخذت أسأل 4 أسئلة شريرة ولكن لا غنى عنها في محاولة البحث عن «حل» أو «مخرج» للمسألة القطرية وهي:
1- ما الذي يرضي قطر كحل في هذه الأزمة؟
هل يرضيها التوصل إلى حل وسط؟ هل يرضيها أن تخرج بكل سياساتها السابقة دون مساس، بمعنى ألا تضطر إلى الانصياع أو تطبيق الـ13 شرطاً أو ملاحظة، التي تقدمت بها دول التحالف؟ هنا أيضاً نسأل: هل ما يرضي قطر حقاً وبالفعل هو «نهاية الحكام والأنظمة» التي تعارضها الآن في كل من القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة؟ بمعنى أن يسقط الجميع ولا يبقى سوى نظام تيار نسل حمد بن خليفة آل ثاني؟! باختصار أن يسقط اللاعبون الحاليون ولا يبقى على مسرح الأحداث سوى اللاعب القطري؟
2- السؤال الثاني وهو لا يقل خطورة عن الأول وهو «ما الذي يرضي دول التحالف العربي؟»:
هل يرضيها تطبيق الدوحة لكل الـ13 مطلباً أم الاكتفاء ببعضها؟ أم أن الأمر وصل الآن إلى مرحلة متأخرة، وهي أنه لا إمكانية ولا أمل لأي تقدم طالما هذه المجموعة من البشر هي التي تتحكم في صناعة القرار في الدوحة؟
3- نأتي للسؤال الثالث: مَن المستفيد من استطالة وامتداد الخلاف بين قطر ودول التحالف؟ هل هي تركيا؟ هل هي إيران؟ هل هي إسرائيل؟ هل هي أوروبا؟ هل هي الولايات المتحدة؟ هل جميعهم سوف يحاول عمل «بيزنس سياسي» لابتزاز كل الأطراف من خلال معاهدات أمن، وصفقات تجارية، وعمولات سلاح؟ وبيع وهم «أنا معك ضد الآخر».
ليس صحيحاً أن أي قوة من القوى الكبرى من بكين إلى موسكو، ومن واشنطن إلى لندن، ومن باريس إلى أنقرة، ومن طهران إلى دلهي، سوف تلعب لعبة طرف واحد في الصراع، سوف يحاول الجميع ابتزاز الجميع للخروج بأكبر عائد وتعظيم أكبر فوائد على جثث العالم العربي. ومصالحه العليا، جميعهم تجار، جميعهم يبيع ويشتري.
نأتي للسؤال الرابع: إلى أي مدى يمكن أن يصل سقف الخلاف؟ هل يصل إلى مرحلة الصراع؟ وهل الصراع قد يصل إلى مرحلة الصراع المسلح؟ وهل يمكن أن نرى حرباً إقليمية في المنطقة تقف فيها قطر في جانب أعداء العرب ويقف كل جيرانها في الخندق المضاد؟
نحن هنا نتحدث عن «حدود الصراع».
من هنا أدرك الأمريكان خطورة الأمر، خاصة أن «بومبيو» الذي يحمل حقيبة الدبلوماسية الأمريكية كان يعمل قبل ذلك في رئاسة المخابرات الأمريكية ويعلم أن المنطقة مضطربة بما فيه الكفاية وتعيش حالة من السيولة المخيفة، وحالة مخيفة من حالات «عدم التيقن» لما يمكن أن يكشف عنه المستقبل القريب، حالة كل شيء فيها ممكن، وكل الاحتمالات فيها مفتوحة.
ويدرك «بومبيو» أن المنطقة تعيش حالة من تأثير دول الجوار غير العربية بالكامل على مستقبل دول الصراع المباشر، بمعنى أن تركيا وإيران وإسرائيل لديهم الكلمة العليا في صراع أطرافه ومسرحه وأدواته وضحاياه كلهم من العالم العربي.
من هنا وعى بومبيو إلى فكرة اللقاء الاستراتيجي بين مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي في نيويورك «بما في ذلك قطر» من أجل إبلاغ الجميع بأن الخطر الآن هو إيران، والإرهاب التكفيري.
ما لم يقله بومبيو أن هذا التجمع هو الرد الأمريكي على التحرك الروسي النشط للغاية مع إيران وتركيا.
من هنا تحاول الدوحة التعلق بقشة التحالف الاستراتيجي من أجل إنقاذ ماء الوجه والخروج من دائرة الحصار أو المقاطعة تحت نظرية: «إن التحالف الاستراتيجي لا يتم إلا بين الحلفاء، والحلفاء لا يمكن أن تكون بينهم خصومة ومقاطعة وحصار».
في الوقت ذاته تتعامل دول التحالف من منطلق، ليس بيننا وبين قطر مسألة ثأرية بقدر ما هي مسألة ضرورة التزام بـ13 مطلباً محددة، ولدينا القدرة على التعامل معها مثلما عاملت الولايات المتحدة كوبا وقاطعتها لسنوات طويلة.
ويقول منطق دول التحالف إن المقاطعة لا تضرهم لكنها بلا شك تضغط بكل الأشكال على مكانة واقتصاد واستقرار الجانب القطري، لذلك فإن الوقت ضد قطر وليس ضد دول التحالف.
في الاجتماع الأخير بنيويورك جلس رئيس الوفد القطري منزوياً، مقاطَعاً، لا يتم التحدث إليه من قبل زملائه وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين.
وحدهما وزيرا خارجية الكويت وعمان هما اللذان يتعاملان معه.
لم يكن لدى المندوب القطري في الاجتماع ما يمكن أن يقدمه في مبدأ التعاون الاستراتيجي سوى قاعدة العِديد، فهو ينتمي لدولة ليس لديها العدد الكافي أو اللازم للدفع به في ميدان قتال، وهو في وضع خطر للغاية لأنه في اجتماع يطالب فيه رسمياً بمواجهة إيران بينما هو يرتبط بأوثق العلاقات والمعاهدات مع النظام الإيراني، الشيء الوحيد الذي يمكن أن تسهم به قطر هو المساهمة في إعادة إعمار سوريا.
ويعلم الوزير القطري، وأيضاً الوزير الأمريكي، أنه قد تم منذ أيام اجتماع سري تنسيقي بين مستشارين في قطر وإيران بهدف توحيد الجهود الإعلامية ونشاطات التنسيق السياسي والتسويق للسياسات الخارجية بين البلدين.
الجميع الآن في حالة شراء لبعض الوقت، لذلك جاء موعد قمة زعماء هذا التحالف الاستراتيجي في يناير المقبل لينزل برداً وسلاماً على معظم الحاضرين.
ماذا سيحدث حتى يناير المقبل؟
بعض العقلاء يقولون إن الدوحة يجب أن تهدئ اللعب، وتخفّض النبرة في العداء، وتتوقف عن أي أفعال ضد فريق معارضيها العرب، ولكن العالمين ببواطن الأمور وبمفاتيح ومفاصل صناعة القرار في قطر يقولون «توقعوا العكس تماماً».
توقعوا ارتفاع منسوب التصعيد، والغلو في أفعال العداء المادي في اليمن وليبيا وسيناء وعلى الحدود السعودية اليمنية وفي كل المحافل والمنظمات الدولية.
توقعوا زيادة حجم السباب والتجريح والتعرض لشخصيات مسؤولة في مصر والسعودية والإمارات والبحرين وكل من يناصرهم.
توقعوا تفعيل نشاط أكثر من 88 وسيلة إعلامية مرتبطة بقطر، وزيادة نشاط الكتائب الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي.
توقعوا أموالاً أكثر في الإعلام الإقليمي والدولي المأجور أو الممول بعقود تسويق سياسي أو عبر شركات «اللوبيات» والعلاقات العامة.
توقعوا التصعيد، ثم التصعيد، ثم التصعيد.
هذا كله سوف يتخذ أشكالاً محددة وستكون له أدوات.
«غداً نشرح ماذا سيحدث حتى يناير».
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة