العلاقات بين إسرائيل وقطر هي الأقوى والأكثر حميمية، وبدأت بعد عام واحد من تولي الأمير الأب مسؤولية الحكم.
لماذا تفعل قطر ما تفعل؟ ولماذا تتخذ الدوحة هذه السياسات الإقليمية والدولية؟ ولماذا تجاوزت في تحالفاتها الإقليمية كل الخطوط الحمراء التي تهدد الأمن القومي العربي، وتضرب قوى الاعتدال العربي في الصميم، وتحدث انشقاقا هائلا في بنيان مجلس التعاون الخليجي؟
أسئلة مشروعة للغاية تحتاج إجابات عاقلة ومنطقية وموضوعية، بعيدا عن حالة التراشق والجدل والشتائم والسباب التي لم تتوقف منذ أكثر من 20 شهرا.
من أين نبدأ؟
هناك مائة بداية، وعشرات المداخل لقصة الملف القطري، لكنني أعتقد وأؤمن جازما أن هناك موقفا كاشفا وصريحا وواضحا منسوبا بالصوت والصورة، لا يمكن إنكاره ولا تغييره لمسئول قطري على أرفع مستوى، يمكن أن يوضح كل جوهر السياسة القطرية، ونقطة الارتكاز في بناء منظومتها.
هناك موقف كاشف وصريح وواضح منسوب بالصوت والصورة لا يمكن إنكاره ولا تغييره لمسئول قطري على أرفع مستوى يمكن أن يوضح كل جوهر السياسة القطرية، ونقطة الارتكاز في بناء منظومتها
هذا التصريح صادر عن دولة الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء دولة قطر -حينذاك- في يوم 30 أبريل 2013، وهو أهم تصريح صادر عن مسئول قطري حتى الآن.
قال دولة الشيخ في هذا التصريح بالحرف الواحد: «إن الوضع النهائي لأي تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل من الممكن أن يشمل (تبادل أراض) بدلا من الإصرار على الالتزام بحدود 1967»!
وردّت السيدة تسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل في ذلك الوقت، على هذا التصريح بقولها: «إن هذا التصريح يعتبر خبرا إيجابيا للغاية، وفي ظل هذا العالم المضطرب هذا الموقف يمكن أن يجعل الفلسطينيين يدخلون غرفة المفاوضات ويؤدون التنازلات اللازمة لإحداث التسوية، ويجب أن يعرف الجميع أن المسألة ليست مجرد مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين فقط، بل هي ذلك الخيار الاستراتيجي الذي يجب أن يختاره العرب».
هكذا قدمت الدوحة نفسها كصاحبة التصريح الرسمي الوحيد القابل والمشجع لإحداث تسوية إقليمية للصراع العربي-الإسرائيلي، قائمة على تبادل للأراضي (وهو مشروع صفقة القرن الحالي) بالمخالفة لقراري مجلس الأمن 242، والجمعية العامة 338، والمبادرة العربية في قمة بيروت.
هذا كله نتاج مشروع فكرة رشحها بروفيسور أمريكي في جامعة هارفارد يعمل بقوة مع اللوبي اليهودي الصهيوني فى أمريكا، وقام بزيارة قطر بدعوة من أميرها مؤخرا، وكتب مقالا عقب عودته ولقائه بكبار المسؤولين القطريين.
قال البروفيسور «آلان درشوتز» إنه يعتقد أن قطر هي الأكثر جرأة في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي، مدللا بذلك على سماح الدوحة بمشاركة لاعب إسرائيلي في بطولة التنس الأخيرة على أراضيها، في الوقت الذي رفضت فيه السعودية مشاركة لاعب شطرنج إسرائيلي في بطولة الرياض مؤخرا.
وقال البروفيسور «درشوتز»، بالحرف الواحد، وأنا أنقل حرفيا عنه: «لقد لاحظت أن قطر تتحول بسرعة إلى أن تصبح إسرائيل الخليج»!
ويُذكر أن العلاقات بين إسرائيل وقطر هي الأقوى والأكثر حميمية، وأنها بدأت بعد عام واحد من تولي الأمير الأب مسؤولية الحكم، حيث تم افتتاح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة عام 1996.
وتلعب الدوحة دورا أساسيا كقناة اتصال خلفية بين الجهات الأمنية والعسكرية العليا وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويتم ذلك عبر مبعوثها محمد العمادى الذى يُشرِف على تأمين قناة الاتصال هذه من أجل تحقيق 3 أهداف رئيسية:
1- استخدام المساعدات الإنسانية القطرية والدعم المالي لحماس من أجل تخفيف أي مواجهة بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
2- إفساد أي جهود مصرية تسعى إلى تحقيق هدنة حقيقية قائمة على تسوية مشرفة بين الطرفين.
3- دعم الفكرة الأساسية والجوهرية في تبادل الأراضي.
هذه العلاقة الجوهرية، التي يمكن البناء عليها في فهم وتفسير السياسة الإقليمية فى المنطقة، اعتمدت على محطات تاريخية، هي:
1- ترتيب انتقال الحكم من الأمير الجد إلى الأمير الأب الذي كان فيه تعهد مسبق وصريح بإقامة كل العلاقات القوية والإيجابية مع إسرائيل.
2- زيارة شيمون بيريز إلى الدوحة.
3- اجتماع رئيس الوزراء القطري في نيويورك مع «تسيبي ليفني» ثم زيارتها بعد ذلك للدوحة.
4- زيارة إيهود باراك للدوحة.
5- لقاءات المسؤول القطري محمد العمادي مع المسؤولين الإسرائيليين.
هذا المسار هو الذي يمكن من خلاله رصد التطور المتنامي في ركائز حركة السياسة الإسرائيلية.
إذن، تحركت قطر بوعيها الكامل، وسلوكها الطوعي بكل إرادتها نحو «اختيار يعتمد على امتطاء صهوة الجواد الإسرائيلي» فى الرهان الإقليمي الاستراتيجي.
من هنا لا بد من مراجعة أن تصريح تبادل الأراضي هذا جاء فى أبريل 2013، أي قبل 30 يوما بالضبط من عزل الرئيس الدكتور محمد مرسي، شعبيا، ويفسر حالة الهستيريا والجنون التي كانت وما زالت تنتاب الإعلام والسياسة القطرية ضد مصر وحلفائها في أبوظبي والرياض. هذا كله يفسر ما بعد ذلك.
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة