تقلبت أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة مع تسجيل اتجاه عام نحو الارتفاع ليقترب سعر برميل نفط خام برنت من 85 دولارا.
والواقع أن هذا التقلب وهذه القفزة التي حققتها الأسعار يمكن أن تُنسب إلى عدد من العوامل الهيكلية، إضافة لعوامل ظرفية طرأت على الأسواق خلال الفترة الماضية.
من بين العوامل الهيكلية المهمة مدى تأثير فيروس أوميكرون على الطلب، وهنا نلحظ بعض التذبذب في رد فعل الأسواق.
ففي حين أدى الانتشار السريع للفيروس -لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة- إلى التأثير سلبا على الأسعار، كان الموقف أفضل يوم الثلاثاء الماضي مع ميل العديد من المحللين إلى توقع أن يكون تأثير المتحور أوميكرون قصير المدى، وبالتالي فإن انتعاش الطلب على النفط سيستمر في الدول المستهلكة الكبرى، بغض النظر عن بعض الإغلاقات التي تحكم المدى القصير.
ومن بين أكثر العوامل الهيكلية أهمية ما يتعلق بالطاقة الإنتاجية الفائضة لدى تجمع أوبك+، وبالذات لدى دول منظمة أوبك.
إذ يبدو أن هناك عدم قدرة لدى تجمع أوبك+ على رفع الإنتاج بسرعة حسب الاتفاق، وهو ما أضاف دعما لارتفاع أسعار النفط. ورغم أن تجمع أوبك+ وافق على زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر بدءا من شهر أغسطس الماضي، فإن التجمع لم يكن قادرا على ضخ هذه الكمية في أي شهر. فخلال ديسمبر على سبيل المثال، رفعت دول منظمة أوبك إنتاجها بمقدار 70 ألف برميل يوميا، مقارنة بشهر نوفمبر، وهو ما يعد مقدارا ضئيلا مقارنة بما هو مسموح لها بإنتاجه، والذي يصل إلى 253 ألف برميل يوميا كحصة لها من بين الـ400 ألف برميل، التي يتم زيادة الإنتاج بها لتجمع أوبك+ ككل.
وظاهرة عدم القدرة على إنتاج كامل الحصة الإنتاجية المحددة ملحوظة بشكل واضح منذ فترة من الوقت في بلدان "أوبك" الأفريقية، خاصة أنجولا ونيجيريا.
وكان تجمع أوبك+ قد وافق على زيادة أخرى في الإنتاج قدرها 400 ألف برميل يوميا خلال شهر فبراير، ولكن مع زيادة أوبك+ الإنتاج كل شهر بدرجات مختلفة، فإن الطاقة الإنتاجية الفائضة تضمحل، ما يقلص من قدرة أوبك على الاستجابة المطلوبة للزيادة في الطلب.
فكما صرح أحد المحللين لوكالة رويترز للأنباء فإن "الجمع بين حقيقتين، أن الطلب سيصبح أكثر قوة عما كان يعتقد سابقا، وأن إنتاج أوبك ربما لا ينمو بسرعة نمو الطلب، هو السبب وراء القفزة في الأسعار".
أيضا من العوامل الهيكلية المؤثرة على السوق استمرار التراجع في المخزون من النفط الخام لدى الدول المستهلكة الرئيسية.
فقد استمر المخزون التجاري من النفط الخام في الانخفاض في الولايات المتحدة للأسبوع الخامس على التوالي، إذ أظهر تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن المخزون التجاري من النفط الخام انخفض بمقدار 4.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم 7 يناير، وكان المخزون قد انخفض خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر بمقدار 2.1 مليون برميل.
وكانت بيانات من "يورو أويل ستوك" قد أظهرت يوم الثلاثاء أن مخزونات الخام والمنتجات النفطية لدى مصافي التكرير الأوروبية هبطت بأكثر من 11% على أساس سنوي في ديسمبر. وبلغت المخزونات 1.02 مليار برميل منخفضة 1% عن مستويات شهر نوفمبر 2021.
أما على جبهة العوامل الظرفية، فهناك أولا انخفاض الإنتاج في ليبيا بما يزيد على 300 ألف برميل يوميا.
ورغم أن ليبيا ليست من بين دول أوبك المحكومة بحصة إنتاجية محددة، فإن انخفاض الإنتاج منها يؤثر بالطبع على العرض في السوق، بما يعني زيادة الأسعار مع انخفاض كمية العرض. ثم مع إعادة فتح الحقول في ليبيا جاءت مشكلة الطقس السيئ، التي أدت إلى إغلاق مواني التصدير لأيام عدة، ما يعني استمرار غياب قسم من الإنتاج الليبي عن السوق. وهكذا فقد أثر هذا الموقف على تقلب الأسعار واتجاهها نحو الارتفاع كاتجاه عام على الرغم من ظرفية هذا السبب.
أيضا من العوامل الظرفية حالة الاحتجاجات والاضطرابات التي شهدتها جمهورية كازاخستان، حيث إن هذه الدولة العضو في تجمع أوبك+ تنتج يوميا 1.6 مليون برميل، وكانت من الدول التي تتجاوز حصتها الإنتاجية المحددة طوال الفترة الماضية، فإذا بها مع تأثر حقول النفط بالحركة الاحتجاجية تعجز عن إنتاج كامل الحصة المحددة لها، ما دفع الأسعار للارتفاع أيضا.
ومن المنتظر، حسب آخر الأنباء، أن تستعيد كازاخستان قدرتها الكاملة على الإنتاج خلال أيام.
وطبقا لبنك "جولدمان ساكس" فإن أسعار النفط يمكن أن تصل هذا العام إلى 95 دولارا للبرميل، إذا لم تعد إيران لسوق النفط، بينما أسعار السلع بشكل عام يمكن أن تمر بما يسمى "الدورة الفائقة"، التي من المحتمل أن تستمر لعقد من الزمن.
ويرى البنك أن سعر برميل نفط خام برنت سيسجل في الربع الأول من العام الحالي نحو 85 دولارا للبرميل.
ووفقا لرأي رئيس السلع في البنك، فإن الارتفاع المتوقع في أسعار النفط هو نتيجة لانخفاض الاستثمارات في القطاع، ولحقيقة أن هناك دولا من منتجي النفط في العالم لديها الطاقة والقدرة على ضخ مزيد من النفط في الأسواق أكثر مما حصل في يناير 2020، أي قبيل تفجر الجائحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة