قفزت أسعار النفط هذا الأسبوع إلى أعلى مستوى لها منذ أكتوبر 2014.
وتم تداول نفط "برنت الخام" عند سعر يدور حول 89 دولارا للبرميل، ما أدى إلى الانزعاج في سوق النفط.
وعقّب أحد المحللين على الوضع في السوق قائلا: "النمو في المخاطر الجيوسياسية يأتي في وقت فيه كثير من القلق بالفعل في السوق حول الآثار المحتملة لتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا، فهذه المخاطر المتنامية إلى جانب القلق حول الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى دول منظمة أوبك، تعني أن المعنويات في السوق تبقى إلى جانب تأييد ارتفاع الأسعار".
وقد كسبت أسعار النفط أكثر من 10% منذ بداية هذا العام، كما استمرت الأسعار في الارتفاع لمدة أربعة أسابيع متوالية، وهي أطول سلسلة ارتفاعات منذ شهر أكتوبر 2021، وهذا دليل على أن تعافي الطلب يظل قويا مع هدوء التخوفات من أثر المتحور أوميكرون.
وقد ظهر -أو يبدأ في الظهور- عدد من ردود الفعل على هذه الارتفاعات المستمرة في الأسعار.
ففي أعقاب هذه الارتفاعات سرت أنباء بأن الصين سوف تطلق نفطا من احتياطاتها الاستراتيجية خلال عطلة السنة القمرية الجديدة، أي بين نهاية الشهر الحالي والسادس من فبراير المقبل.
ورغم أن أنباء مثل هذه كانت كفيلة بإحداث رد فعل في السوق، فإن هذا لم يحدث، واستمرت الأسعار على ارتفاع.
وربما يبدو إلى حد ما أنه أمر ضد البديهة ألا تلتفت سوق النفط لأنباء تتعلق باحتمال إطلاق الصين جزءا من احتياطاتها الاستراتيجية، ولكن هذا ما حدث تماما خلال الأسبوع قبل الماضي، مع بقاء المزاج العام مع ارتفاع في الأسعار على خلفية ضعف سعر صرف الدولار، الذي يجعل النفط أرخص بالنسبة للدول أصحاب العملات الأخرى، والطاقة الإنتاجية المنخفضة بشكل غير متوقع لدى بلدان تحالف أوبك+، كما أن أسعار النفط ترتفع وسط تقارير تشير إلى استمرار قلق مصافي التكرير من الوصول إلى طاقتها الإنتاجية القصوى وسط انخفاض المخزونات من المنتجات إلى أقل مستوى لها في سنوات عدة، ناهيك بالتطورات الجيوسياسية، التي ترتبط ببعض أهم منتجي النفط في العالم، مثل روسيا.
ويقول أحد المحللين تعليقا على ذلك: "الناس حينما ينظرون إلى الصورة الكبيرة يدركون أن العرض العالمي في مقابل الطلب يبقى مقيدا بشدة، وهذا ما يعطي السوق دفعة قوية".
رد الفعل الثاني يتمثل في إشارة البعض إلى احتمال أن يقوم "البيت الأبيض" باتخاذ قرار بإطلاق كمية نفط أخرى من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي الخام، زيادة على الخمسين مليون برميل التي اتخذ قرارا بإطلاقها في شهر نوفمبر الماضي.
وقد علّق وزير الطاقة السعودي على هذه الأنباء قائلا إن "هذا أمر يخص الحكومة الأمريكية".
وقد يحد من هذا الاتجاه انخفاض المخزون التجاري من النفط الخام إلى مستويات هي الأقل منذ سنوات، وانخفاض المخزون الاستراتيجي أيضا عما كان عليه نتيجة عمليات سحب منه خلال السنوات القليلة الماضية، كما أنه لم يتم حتى الآن التصرف تماما في الخمسين مليون برميل السابقة التي اتُّخذ قرار بشأنها.
أما رد الفعل الثالث فيتعلق بكمية الإنتاج الأمريكي من النفط، فرغم الإشارات العديدة من صناعة النفط الأمريكية بأنها سوف تستمر في التعامل مع التعافي في أسعار النفط بشكل حذر، فإن هناك إشارات تبدأ في الظهور على أن النمو في الإنتاج الأمريكي يتزايد في بعض الأماكن، لا سيما حوض "برميان"، أكبر أحواض النفط الصخري الأمريكي.
وقد نشرت وكالة "رويترز" نقلا عن بعض العاملين في الصناعة أن معدل الانتهاء من آبار النفط وتجهيزها للإنتاج في حوض "برميان" ارتفع 5% في شهر ديسمبر.
ويعني هذا أن استمرار أسعار النفط في الارتفاع قد أثبت أخيرا أنه إغراء شديد لا يمكن مقاومته.
وما زال احترام الانضباط المالي وعائدات حاملي الأسهم أولويات محترمة لدى الشركات حتى الآن، ولكن الطلب العالمي على النفط يبدو قويا، على الرغم من الارتفاع في حالات الإصابة بوباء كوفيد-19، ومع التعرض لانقطاعات العرض في أكثر من مكان، يكتسب النفط الأمريكي أهمية متزايدة.
وطبقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن حوض "برميان" سيستمر في قيادة نمو الإنتاج الأمريكي ككل.. وطبقا للمعلومات التي أطلقتها الإدارة في تقريرها الأخير "توقع الطاقة في الأجل القصير" فإن السلطات تقدر أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط كمتوسط سنوي سيبلغ 12.4 مليون برميل يوميا في عام 2023، وهو ما سوف يكون أعلى مستوى مسجل للإنتاج بعد عام 2019، وكان متوسط الإنتاج السنوي قد هبط خلال العام الماضي إلى 11.2 مليون برميل يوميا بسبب الجائحة.
ويتوقع بنك "أوف أمريكا" ارتفاعا بمقدار 22% في الإنفاق على الحفر هذا العام في الولايات المتحدة، وارتفاعا بمقدار 25% عالميا.
وطبقا للبنك، فإن إنتاج الولايات المتحدة من النفط من الحقول البرية سوف يرتفع بمقدار 900 ألف برميل يوميا في العام الحالي.
وربما تكون واحدة من أهم مزايا صناعة النفط الصخري الأمريكي -كما يذكر البعض- هي زيادة كفاءة الإنتاج بشكل ملموس خلال الفترة الماضية.
والنفط الذي لم يكن مربحا في إنتاجه منذ عشر سنوات يعد رابحا الآن.
ويعني هذا أن الحفر للنفط الصخري سوف يكون مربحا مع أسعار نفط أقل مما كان عليه الأمر في السابق.
ومع ذلك فسوف يستمر الحذر على الأرجح، لأن ذاكرة تدمير الطلب، التي خلفتها الجائحة على صناعة النفط العالمية، ما تزال حية.
وهكذا فإنه رغم تعدد ردود الفعل على استمرار أسعار النفط في الارتفاع، فإن تفعيل مثل هذه الردود قد يستغرق بعض الوقت، هذا إذا تم على الإطلاق.
والأهم أنه ثبت أن بعض هذه الردود سوف يكون أثره في الغالب مؤقتا، مثل زيادة السحب من المخزون الاستراتيجي الصيني أو الأمريكي، أما زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط وغيرها من الدول المنتجة خارج تحالف أوبك+ فسوف تستغرق بعض الوقت، وعلى الأقل لن يكون أثرها ملحوظا خلال الربع الأول الحالي من العام، وهو الربع الذي كانت هناك مراهنات كبيرة على أنه سيشهد فائضا كبيرا في العرض قد يصل إلى حدود 3 ملايين برميل يوميا في سوق النفط العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة