الناظر إلى رد إيران على العقوبات الأمريكية يرى أن إيران تحللت رسميا من التزاماتها بالاتفاق النووي.
بعد ثلاثاء الإفادات السرية في الكونجرس الأمريكي، التي تحدث فيها وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، عطفا على القائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شانهان، استبعد الجميع خيار الحرب بشكل مؤقت في إطار المواجهة مع الإيرانيين. غير أن علامة الاستفهام في هذا المقام تمثلت في التساؤل التالي: "هل انتفت خيارات المواجهة العسكرية مرة وإلى الأبد؟ الشاهد أن الأمريكيين حين حركوا قطع الأسطول الخامس إلى مياه الخليج العربي، بحسب تصريحات الرئيس ترامب، ساد الحديث عن اثنتين من الإشكاليات:
من المؤكد أن إيران كانت تملك خططا بديلة عندما دخلت في مفاوضات مع القوى الغربية والشرقية، ومن المعروف أنها الدولة التي تجيد إجادة تامة فن ومبدأ "التقية"، أي إظهار ما لا يبطن، وما يخفيه ربما يتجاوز ما يعلنه بمراحل.
الأولى تتعلق بتعرض قواتهم أو مصالحهم إلى مخاطر في دول المنطقة، وهو ما اتضح لديهم بعد أن تمت عملية رصد لاتصالات هاتفية إيرانية مع وكلائهم في المنطقة، ناهيك عن المعلومات الاستخبارية التي توافرت لهم.
الثانية تتصل بقيام إيران بالمضي قدما لجهة مشروعها النووي، أي إكمال سيرتها الأولى في الحصول على سلاح نووي فتاك، يمكن أن يغير من أبعاد التوازنات الجيوستراتيجية في المنطقة بشكل كبير، وهو ما لن تسمح به القوى الدولية والإقليمية في كل الأحوال.
ولعله من المؤكد أن الإيرانيين بدرجة أو بأخرى يدركون ما يطلق عليه في العلوم العسكرية "ميزان الانتباه"، أي المدى الفاعل والمؤثر لقواتهم، في مواجهة قوات الطرف المقابل، وهم في كل الأحوال من الخاسرين حتى ولو بمجرد التفكير في المواجهة ضد الجانب الأمريكي .
لكن ما ينحو إليه المشهد الدولي يؤكد أن إيران ماضية بشكل سريع وكبير في مشروعها النووي سواء باتفاق مع القوى الغربية أو بغير اتفاق. والجدير بذكره هنا أنه حتى الاتفاق النووي سيئ السمعة لم يكن في واقع الحال سوى مهلة مقدارها عشر سنوات، تتمكن فيها إيران من تقوية أوضاعها الاقتصادية؛ فهي تعلم أنها لابد لها من أن تتصادم ذات يوم مع الغرب وربما الشرق وبخاصة موسكو، وساعتها ستكون قد رتبت أوضاعها المالية وقواها الصاروخية والسيبرانية لمواجهة الآخرين كيفما يحلو لها أن تواجههم وبأي وسائل أو آليات تريد.
تمكن الإيرانيون خلال العقدين الماضيين بالترويج داخليا لمشروعها النووي على أساس وحق وطني للبلاد والشعب؛ فبحسب تقرير لمجلة الفورين بوليسي الأمريكية فقد زرع الحرث الثوري الإيراني رسالة قومية في جميع برامجه الثقافية والإعلامية منذ عام 2005، مؤداها أن تلك القوة هي التي ستكفل استمرار حياة الإمبراطورية التي فشل الإسكندر الأكبر وجنكيز خان في هدمها كما تندر جواد ظريف على تصريحات ترامب .
ولعل الناظر إلى الرد الإيراني على العقوبات الأمريكية والمواقف الأوروبية يرى أن إيران تحللت رسميا من بعض التزاماتها الخاصة بالمياه الثقيلة واليورانيوم المخصب بشكل علني، ولم تعد في حاجة إلى ممارسات سرية تحت الأرض. وإن كان القاصي والداني يدرك أن الإيرانيين لديهم مواقعهم السرية التي يرفضون زياراتها من قبل وفود لجان وكالة الطاقة الذرية الدولية، وهي مواقع خاضعة للحرس الثوري بشكل مباشر،
وقرارها الحيوي والفعال في يد المرشد خامنئي نفسه وليس في يد شخص آخر.
من المؤكد أن إيران كانت تملك خططا بديلة عندما دخلت في مفاوضات مع القوى الغربية والشرقية، ومن المعروف أنها الدولة التي تجيد إجادة تامة فن ومبدأ "التقية"، أي إظهار ما لا يبطن، وما يخفيه ربما يتجاوز ما يعلنه بمراحل.
كانت إيران ولا تزال جاهزة لإعادة تشغيل أجهزة طرد مركزي مرة جديدة من أجل تخصيب اليورانيوم، ولا شك أنها تملك الخبرة والعلاقة بصورة أو بأخرى. أما أجهزة الطرد الموجودة لدى إيران فهي مبنية على تصميم هولندي الأصل يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وهو نموذج استخدمه العالم النووي الباكستاني عبدالقادر خان في بناء برنامج السلاح النووي الخاص بإسلام أباد.
والمؤكد أيضا أن إيران طورت تلك الأجهزة وخلقت منها أنواعا جديدة تملك قدرة على التخصيب أسرع بخمس مرات، ولهذا بات السؤال المحوري والخطير: "في حال قيام طهران بتجميع وتشغيل أحدث أجهزة الطرد المركزي لديها بأقصى طاقتها لتخصيب اليورانيوم، فكم من الوقت تحتاج لإنتاج قنبلة نووية؟".
لا يمكن الإجابة عن ذلك إلا في ضوء حقائق الأرقام؛ فعلى سبيل المثال أثناء الاتفاق النووي كان لدى إيران 10 آلاف كيلوجرام من اليورانيوم المخصب (إذا افترضنا أن هذه هي الحقيقة بالفعل) لكن بموجب الاتفاق تقلص هذا المخزون إلى 300 كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب.
وبالنسبة لخبراء الأسلحة النووية؛ فمن أجل صناعة رأس نووي واحد لابد من أن يكون هناك نحو 8 كج من البلوتونيوم، أو 25 كج من اليورانيوم.. هنا يضيف علماء فيزياء روس في معهد البحوث النووية في "دوبنا"، أن إيران يمكنها أن تنتج قنبلتها النووية الأولى خلال عام إن إرادات، وهي تراهن في ذلك على علاقتها مع جارتها كازاخستان التي تحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث كمية اليورانيوم والأولى من حيث إنتاجه ولا سيما أن نحو 12% من احتياطيات العالم تتركز فيها، وفي فبراير 2017 قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، أن بلاده ستشتري 950 طنا مكثفا من اليورانيوم من كازاخستان في غضون ثلاث سنوات.
ويقول "ديفيد أولبرايت"، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، وهي مجموعة خاصة في واشنطن تتعقب الأسلحة النووية، في تصريحات له لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن إيران تحتاج من 10 إلى 12 شهرا لإعادة بناء مجتمع التخصيب والحصول على ما يكفي لصنع قنبلة نووية.
من الواضح أن جنرالات البنتاجون قد صرحوا بأنهم لا يريدون حربا مع إيران، ونحن بدورنا لا نود أن نرى حربا في أي مكان أو زمان حول العالم، ويكفي ما رأيناه من مرارات الحروب حتى الساعة .
غير أن السؤال الذي يحتاج إلى جواب عقلاني عليه، كيف سيمضي العالم مع إيران حاسمة وحازمة أمرها على امتلاك سلاح نووي خلال عام؟
إلى حديث آخر..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة