تحفل وسائط الإعلام الدولي بالكثير من التقارير عن صراع شرس يدور في أروقة الحكم القطري، تتبادل خلاله أجنحة وأفراد نافذون في العائلة الحاكمة القصف، في عملية تضاغط تستهدف إحداث تغيير في طبيعة الحكم ومساراته.
تحفل وسائط الإعلام الدولي بالكثير من التقارير عن صراع شرس يدور في أروقة الحكم القطري، تتبادل خلاله أجنحة وأفراد نافذون في العائلة الحاكمة القصف، في عملية تضاغط تستهدف إحداث تغيير في طبيعة الحكم ومساراته.
ويسود انطباع واسع بأن هذا التضاغط ليس سوى نتيجة مباشرة للقرار الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وليبيا، وبعض الدول الأخرى، بقطع العلاقات مع الدوحة، رداً على دعمها للإرهاب.
إن هذا الانطباع خاطئ بكل تأكيد؛ إذ إن الصراع على الحكم في هذه الدولة الخليجية الغنية ليس وليد اليوم، بل هو مسلسل طويل، اقتضت الظروف الراهنة أن تكون آخر حلقاته علنية ومفضوحة، على عكس غيرها من الحلقات التي جرت في الخفاء على مدى عقود.
في العام 1972، تم عزل حاكم قطر آنذاك الشيخ أحمد بن علي، على يد ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد، في انقلاب سلمي، لكن هذا الأخير نفسه ما لبث أن أُطيح به من الحكم، في العام 1995، على يد نجله وولي عهده الشيخ حمد بن خليفة.
عندما تولى الشيخ حمد بن خليفة منصب الأمير كان مديناً لعدد من أبناء عمومته، وعلى رأسهم ساعده الأيمن ورئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم، وآخرون، لكونهم دعموا انقلابه على والده، وهو الانقلاب الذي عارضته بعض الدول العربية آنذاك، كما لم يرق لبعض أبناء الأسرة الحاكمة.
الحكم في قطر بات في هذه الآونة ساحة للتنافس الشرس بين أطراف ذات حظوظ متباينة؛ منها الأمير نفسه، ووالده الذي بات يناوئه في مواقف وسياسات عدة، والشيخ النافذ حمد بن جاسم، وجناح آل المسند
بعد 18 عاماً من استيلائه على الحكم، وجد الأمير السابق حمد بن خليفة نفسه مضطراً للتضحية بمنصبه، في ظل صراع أجنحة شرس ضرب الأسرة، وتضافر مع مشكلات سياسية سببتها سياساته الداعمة للإرهاب، والحافلة بالتناقض، والمسيئة إلى جيرانه.
وقرر حمد بن خليفة "الأمير الوالد" بالفعل أن يتنازل عن الحكم لنجله تميم "الأمير الحالي"، في صفقة ظهر لاحقاً أنها اقتضت أيضاً أن يخرج الشيخ حمد بن جاسم رئيس مجلس الوزراء من السلطة.
ورغم أن الأمير تميم بن حمد واصل سياسات والده المسيئة، وخصوصاً في مجال تقديم الدعم والحماية للتنظيمات الإرهابية؛ مثل "القاعدة" و"داعش" و"الإخوان" و"الحوثي"، والحفاظ على علاقات دافئة مع إيران، بالتغاضي عن أدوارها المقوضة للاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، فإنه مع ذلك واجه منافسة خطيرة من أجنحة نافذة في الحكم.
لقد لعبت والدة الأمير تميم، الشيخة موزة المسند دوراً كبيراً في إفساح الطريق لصعود نجلها، من خلال الدعم الكبير الذي تتلقاه من أسرتها "المسند"، التي تسيطر على نقاط ارتكاز قوية في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد والمال.
ببساطة شديدة، فإن الحكم في الشقيقة قطر بات في هذه الآونة ساحة للتنافس الشرس بين أطراف ذات حظوظ متباينة؛ منها الأمير نفسه، ووالده الذي بات يناوئه في مواقف وسياسات عدة، والشيخ النافذ حمد بن جاسم، وجناح آل المسند، وممثلته في السلطة الشيخة موزة، وعدد من أشقاء الأمير؛ مثل مشعل وعبدالله، وآل أحمد بن علي الحاكم السابق المعزول، وشيوخ نافذين في عائلة آل ثاني الحاكمة، راحوا ينددون بالحكم الحالي علناً، ويعلنون عن نواياهم في تغييره، كما يمكن أن يكون من المنافسين على الحكم في قطر المدعو يوسف القرضاوي، وعزمي بشارة... الله أعلم.
لا يمكن اعتبار أن قطر دولة مستقرة تدار بحكومة متسقة في سياساتها وتوجهاتها؛ إذ يظهر أن صراع أجنحة محتدماً يضرب أداء الحكم ويحرفه عن مساره الصحيح بانتظام، حيث يتنازع شركاء القرار، دفة القيادة في تلك المعركة الشرسة. وهذا يجعلنا نتساءل... من يحكم قطر؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة