ثقل المرشح أم برنامجه.. من ينقذ انتخابات الرئاسة الجزائرية؟
خبراء جزائريون يقدمون لـ"العين الإخبارية" قراءات مختلفة عن حالة الغموض والتعقيد التي تسبق إجراء انتخابات الرئاسة وترهن مصيرها.
في خضم الجدل السياسي والشعبي غير المسبوق حول انتخابات الرئاسة الجزائرية المقبلة المزمع إجراؤها في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لا يزال من الصعب التكهن بحظوظ المرشحين أو حتى مصير إجراء الاقتراع، خاصة بعد ارتفاع العدد إلى 145 مرشحاً محتملاً.
ويقول مراقبون إن انتخابات الرئاسة المقبلة تشهد حالة غير مسبوقة، وهي عدم معرفة المرشح الأكثر حظاً بالفوز بها كما جرت العادة منذ أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 1995.
- انتخابات الجزائر.. رغبة بالتغيير يقابلها توجس من عودة نظام بوتفليقة
- مهلة تحديد موعد الانتخابات.. هل الجزائر جاهزة لتجاوز عهد بوتفليقة؟
ونتيجة لذلك، طرح مراقبون تساؤلات عن تلك الحالة المعقدة والغامضة التي يعيشها المشهد السياسي بالجزائر، من أبرزها: من بإمكانه إنقاذ انتخابات الرئاسة؟ المرشح أم البرنامج الثقيل؟ وهل من الممكن أن ينجح مرشح مغمور بقلب الطاولة وجذب أصوات المؤيدين والرافضين والمترددين؟
الخبراء أجمعوا على أن الأسبوع الحالي سيكون "حاسما" بعد تحديد السلطة المستقلة للانتخابات، يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، آخر موعد لتقديم ملفات الترشح، وسط توقعات بظهور مرشح أو مرشحين يشكلون المفاجأة، وبإمكانهم "إزاحة بعض من الضبابية التي تكتنف مصير الانتخابات وتحصر التنافس في السباق الانتخابي".
المرشح "الثقيل"
وذكر محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية" أن هناك من بين المرشحين من يمكن وصفهم بـ"المرشح الثقيل" وهي تلك الشخصيات التي تولت مناصب عليا في الجزائر كرئاسة الحكومة أو حقيبة وزراية أو الشخصيات المحسوبة على المعارضة.
ومن بين هؤلاء، عبد المجيد تبون رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات المعارض والذي كان رئيساً لحكومة بوتفليقة قبل أن يتحول إلى واحد من أشد معارضي النظام.
غير أن المفارقة الحاصلة في هذه الانتخابات، هي "حالة الرفض والشك" التي عبر عنها كثير من الجزائريين وشخصيات معارضة لتلك الوجوه السياسية التي قررت الترشح لخلافة بوتفليقة، بما فيها الموالية لنظامه أو المعارضة له.
وذكر مراقبون لـ"العين الإخبارية" أن من بين الأسباب التي زادت من منسوب شك ورفض المعارضين للانتخابات المقبلة، ترشح تلك الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة.
ويعتبر المتظاهرون أن "جميع أحزاب التحالف الرئاسي والداعمة لولاية بوتفليقة الخامسة هي أحزاب مرفوضة شعبياً، ومطالَبة بالرحيل مع بقية النظام السابق"، ويرون ترشح قياداتها لانتخابات الرئاسة "استفزازاً لمطالبهم وتشويهاً لنزاهة وشفافية الانتخابات".
كما أعربت عدة شخصيات سياسية عن "استهجانها" لترشح أسماء كانت محسوبة على نظام بوتفليقة ومن "أشد الداعمين لترشحه لولاية خامسة"، مثل بلقاسم ساحلي رئيس حزب "التحالف الوطني الجمهوري" وعز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ورأوا أنها "ضربة موجعة لكل الضمانات المقدمة لنزاهة الانتخابات".
فمن جهته قال الأكاديمي والباحث الجزائري الدكتور محمد طيبي "ثنائية المرشح الثقيل والبرنامج الثقيل" في الحالة الجزائرية إشكالية كبيرة، وإن أبدى تحفظاً على توصيف "المرشح الثقيل".
وأوضح لـ"العين الإخبارية" أن "هناك من الشخصيات السياسية من يعطي تلك الصفة لنفسه، ومنها من يثقلها الإعلام، لكن الثقل الحقيقي هو السياسة وفي الشخصية الكاريزمية الحقيقية وليس المفترضة، وفي الكثير من الأحيان تحمل تلك الصفة مبالغة لصاحبها".
ورأى الأكاديمي الجزائري بأن الساحة السياسية في بلاده تشهد "كثيراً من التغليط في توصيف المرشحين، وفيها الكثير من الأوهام، لأن الحقيقة موجودة في الخطاب المطلبي للحراك الشعبي الوطني، الذين يريدون محاربة الفساد وتطهير البلد وإقامة دولة نعتز بها وتضمن المصلحة العليا للجزائر".
أما المحلل السياسي محمد دلومي، فقد قدم تصوراً مختلفاً عن "المرشح الثقيل"، وذكر في تصريح لـ"العين الإخبارية" أنه "لا يمكن وصف أي شخصية سياسية بالثقيلة إلا من خلال نتائج انتخابات ديمقراطية بالمعايير المعمول بها دولياً".
وأشار إلى أن كل الشخصيات التي توصف بالثقيلة اليوم، كانت محسوبة على النظام القائم منذ الاستقلال، والشخصيات الثقيلة في تصوري في الدول التي تحترم نفسها هي التي قدمت لأوطانها".
حالة سياسية معقدة
مولود حمروش وطالب الإبراهيمي
ومنذ بدء الحراك الشعبي في فبراير/شباط الماضي، ردد المتظاهرون أسماء شخصيات "ثقيلة" طالبوها بقيادة المرحلة الانتقالية، ورأوا فيها "الوحيدة المؤتمنة على مطالب الحراك"، ثم سرعان ما تحولت إلى مطلب شعبي تدعوها لـ"الترشح لانتخابات الرئاسة" كـ"مرشح توافقي" تقبل به جميع أطراف الأزمة السياسية.
ومن بين تلك الشخصيات، مولود حمروش رئيس الوزراء الأسبق (1989 – 1991)، وأحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق (1984 – 1988)، وعلي بن محمد وزير التربية الأسبق (1990 – 1992).
لكن تياراً ثالثاً "مشتركاً بين الرافضين والمؤيدين" لانتخابات الرئاسة يرى عكس ذلك، وينتقد المطالبين بما يسمونه "النبش في أرشيف النظام"، ويعتبرون أن "أهم هدف خرج من أجله الحراك هو إحداث التغيير الجذري في الوجوه والسياسات مع كل النظام الذي حكم البلاد منذ استقلالها عام 1962".
وفي ظل الشد والجذب هذا، برزت أسماء "غير معروفة" لدى الرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول بعض الجزائريين الترويج لها على أنها "تحمل برامج ثقيلة ومقنعة"، من بينها خرشي النوي رئيس "حركة المجتمع الديمقراطي"، وأحمد شوتري "المستشار الأسبق للرئيس العراقي الراحل صدام حسين" وأحد أقطاب "الفكر البعثي في الجزائر".
وشبه الأكاديمي الدكتور محمد سي بشير الوضع السياسي الحالي بالجزائر بـ"طاولة المفاوضات التي يضع كل طرف أوراقه عليها، فالسلطة وضعت ورقة الانتخابات بكل ما فيها من سلبيات متعلقة بجمع استمارات المرشحين، يقابلها ما يشبه اختيار الحراك لممثليه في الانتخابات والتي يمكن تسميتها بالشخصيات المرضي عنها، رغم وجود شخصيات ترشحت فعلاً تمثل في مخيلة بعض الجزائريين شخصية قيس سعيد في تونس".
وأضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "المجهول الآن هو هل ينتخب الجزائريون يوم 12 ديسمبر أم لا؟، لأن هناك أشخاصاً موقوفين، كما تتوعد السلطة كل من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات بإجراءات قضائية، وهي كلها عوامل لا تساعد على إجراء الانتخابات في موعدها، وفي حال تنظيمها بهذه الظروف فلن يكون الرئيس شرعياً، ولن يكون حراً في إخراج اقتصاد الجزائر من التبعية للمحروقات".
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزيوزو أن الجزائر في هذه الظروف "لن تغامر بمرشح مغمور في حال نزاهة الانتخابات، لأن الوضع وموقع الجزائر لا يسمح لها بذلك، فهي قاطرة المغرب العربي وبوابة أفريقيا ومقابلة للضفة الشمالية من أوروبا، وهناك مشاكل أمنية في منطقة الساحل".
وتابع: "يفرض ذلك وجود شخصية ثقيلة وتملك شرعية داخلية يمكنها التحكم في الملفات الداخلية خاصة الاقتصادية منها، بالإضافة إلى التحديات الأمنية المحيطة بالبلاد، وفي اعتقادي الشرعية حالياً تدور بين اسمين وهما حمروش أو رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور".
وختم بالقول: "أمام العدد الحالي للمرشحين المحتملين لا مجال للحديث عن الحظوظ، والرأي العام يطالب بضمانات كافية لنزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية، وفي حال توفر الضمانات فإن الانتخابات ستبقى مرهونة بالمرشح الثقيل لأن الناخب لا يثق إلا في من كانت له تجربة سياسية نظيفة".
المرشح "الاستثنائي"
في سياق متصل، قدم الأكاديمي والباحث الدكتور محمد طيبي رؤية عن المرشح الذي بإمكانه امتصاص كل التناقضات التي أفرزها الحراك الشعبي.
وقال "إن في هذا المجتمع الذي يغلي تعددت الوجوه، حتى اختلطت الأوجه السياسية، ولهذا فإن انتخابات الرئاسة المقبلة في تصوري لن يحسمها إلا رجل استثنائي من حيث نظافة اليد وعمق الوطنية وتحمل المسؤولية، وفي اعتقادي هذا الرجل لم يظهر حتى الآن".
ويرى الدكتور طيبي أنه "لا يوجد من بين المرشحين المحتملين الحاليين من له القدرة على تحمل رهانات الجزائر".
ناخب "عاطفي أم ثائر؟"
ويجمع كثير من الأكاديميين الجزائريين، على أن "البعد العاطفي" يتحكم إلى حد كبير في موقف الناخب الجزائري من العملية الانتخابية ومن مرشحيها، وقد تحدد تلك العاطفة موقفه بـ"مقاطعة" الانتخابات، لأنه "لا يرى حلاً لمشكاله في برنامجه أو لا يتوافق سياسياً مع ذلك المرشح".
غير أن كثيراً من المراقبين يرون بأن الناخب الذي عزف عن السياسة لعقدين كاملين، لم يعد بتلك المواصفات، وخلال انتخابات الرئاسة المقبلة سنجد "مرشحا ثائرا وبراجماتيا لن يقبل إلا بمعادلة الرئيس الشرعي الذي يصل بسفينة الحراك الشعبي إلى بر الجزائر الجديدة".
البرنامج "الثقيل"
هذا التغير، جعل متابعين يتوقعون أن "يصنع مرشح مغمور" المفاجأة في انتخابات الرئاسة المقبلة، حيث قال الأكاديمي محمد طيبي إن "الحراك الشعبي والرأي العام عموماً يريد القطيعة مع الطبقة السياسية التي كانت مسؤولة عن دمار البلاد، وهي حالة عقاب لا شك فيها".
وأكد أن الناخب لن يدلي بصوته "إلا إذ توفرت له وجوه يثق في قدرتها على القطيعة مع الممارسات السياسية السابقة التي زرعت الفساد والمحسوبية، باستثناء القوة المضادة الموجودة في الشارع من أجل الدفاع عن الذين كانوا سبباً في انهيار الجزائر".
بدوره، قال المحلل السياسي محمد دلومي في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن الناخب الجزائري يبحث في المرشحين عن أمرين اثنين لا ثالث لهما وهما "برنامجه الانتخابي والكاريزما التي يجب أن يتمتع بها المرشح لمنصب رئيس الجمهورية".
وأشار إلى أنه "من المتعارف عليه أن من يخطب جيداً يجذب المواطن الجزائري، ولهذا فإن الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية سيكون له دور كبير، بالإضافة إلى الدور التوجيهي الذي تقوم به وسائل الإعلام لصالح مرشح معين، وكذلك الجهات الخفية التي سيكون لها دور في توجيه الرأي العام".
ويرى "دلومي" أن الناخب الجزائري "لازال يبحث منذ وفاة الرئيس الأسبق هواري بومدين سنة 1978 عن الشخصية التي لها كاريزما والتي تعيد له الاحترام وللدولة الجزائرية، وهذا ما يمكنه إقناع الناخب".
واستبعد في المقابل تكرار سيناريو انتخابات الرئاسة في تونس، مرجعاً ذلك إلى "استحالة تكرار تجارب الدول بحكم خصوصياتها السياسية والثقافية والتاريخية".