قبل نحو أربعة عشر عاماً حملت حقيبتي وغادرت وطني باحثاً عن فرصة وبداية لرحلة جديدة كانت وجهتي فيها إلى الإمارات..
لكن ما شعرته — من اللحظة الأولى لدخولي هذا البلد الكبير بقيادته وأهله — كان أكثر من مجرد انتقال جغرافي: بل كان دخولاً إلى عالم أوسع يحتضنني كما أنا بلا تجميل زائف وبلا ضغط لأن أكون نسخة من أحد، بل دعوة صادقة لأكون نفسي.
أدركت حينها أن الانتماء يُخلق من الاحترام، ومن الثقة، ومن قبول الآخر، ومن العيش جنباً إلى جنب مع من تختلف معه في جنسيته أو عرقه أو دينه.
في دولة يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية — من شرق آسيا إلى أفريقيا إلى أوروبا — يتقاطع فيها عدد من الثقافات والخلفيات يشكل التسامح ركيزة والاختلاف نقاط قوة.
وما يجعل هذا البلد مختلفاً ليس هو الكم، بل الإطار: الإطار الذي لا يميز بين إنسان وآخر إلا بالخلق والعمل، الذي يسمح لكل فرد بأن يحمل هويته ولغته ومعتقداته من دون أن يُسأل عن ذلك بل تُحترم إنسانيته كما تحترم جنسيته.
هكذا صُممت القوانين والممارسات في الإمارات .. ليس فقط لتأمين مساحة للعطاء بل للاحترام حتى إن التسامح في الإمارات ليس مجرد شعار جميل يُرفع.. بل قرار مؤسسي.
ما زاد من ارتباطي بهذه البلاد ليس فقط تنوع البشر وطول بُعد المسافات الثقافية، بل أيضاً سلامة الحياة من منظور أوسع: أمن — استقرار — نظام اجتماعي يسمح أن تبني بيتاً، وأن تدرس، وأن تعمل، وأن تخطط للمستقبل دون أن تشعر بأن الأرض تتزلزل تحتك.
الاقتصاد الذي يتنوع لينسجم مع طموحات كثيرة؛ والبُنى التحتية التي تُسهّل الحياة اليومية؛ والخدمات التي تُوفّر الخيارات؛ والفرص التي تُفتح لمن يملك الرغبة والعمل.. في هذه البيئة لا ينظر إلى المقيمين كأرقام مؤقتة، بل كأفراد يحملون أحلاماً، ويمكنهم أن يشكّلوا جزءاً من مشهد دائم.
أكثر ما يغلّب في هذا الوطن هو الاحترام — احترام الإنسان ذاته كما هو، مع كل اختلافاته؛ فلا يُطلب منك أن تُذيب هويتك أو تنسى جذورك، بل يُمنح لك جناحان: أن تحتفظ بجذورك، وأن تزهر في تربة الإمارات.
اليوم، وبعد سنوات من العيش والعمل والمثابرة، أجد أن حبي للإمارات ليس ارتباطاً مؤقتاً تعبّر عنه كلمات الشكر، بل انتماء يتجاوز المصالح، لا بل ينمو في القلب قبل أن يُترجم في مقال.
نحب الإمارات لأنها وطن شامل يتسع للبذور من كل أرض، حتى باتت وطنا يعيد للإنسان كرامته مهما كان أصله، وطن يفتح الأبواب لمن يريد أن يُبدع ويُساهم.
نحبها لأنها تجعل من الاختلاف قوة، ومن التنوع ثراءً.. وفي عيد الاتحاد الرابع والخمسين نتمنى لها دوام الرفعة، وأن تظل منارة سلام وتعايش، وأن تبقى حصناً للإنسانية تحت قيادة حكيمة تؤمن بالإنسان أولاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة