المثير للجدل واللافت أن مجلس النواب الأمريكي يمثل أغلبية جمهورية، أي أنها من الحزب التابع للرئيس، ما يشكل إحراجا إضافيا لترامب
الجهل أو التجاهل المتعمد من الأمريكان والأوروبيين لحقيقة واقع ومخاطر ملف اليمن مخيف ومذهل، ويبعث على الشك الشديد.
لا يرون في ما يحدث في اليمن سوى أنه جرائم ضد المدنيين من قبل قوات التحالف، ولا يتحدثون أبدا عن مخاطر الدور الإيراني في اليمن، ولا عن شرور مليشيا الحوثيين.
هذا الجهل المطبق، أو التجاهل المتعمد، لحقائق الملف اليمني يجعلنا نشك في جدية الرغبة الدولية في مواجهة مخاطر التمدد العسكري الإيراني والقوى المتحالفة معه
يرون الجريمة والجرم على من يدافع عن نفسه ضد الصواريخ البالسيتية التي تهدد الوجود والحدود والمواطنين والأملاك في السعودية، ولا يرون -أبدا- مخاطر سيطرة النفوذ الإيراني علي خليج عدن وباب المندب ومضيق هرمز وممرات نقل البترول والتجارة العالمية.
يتغافلون عن أن أكثر من 40٪ من نفط المنطقة ينقل من هذه الممرات، وأن 45٪ من التجارة تنتقل منها.
منذ ساعات، قام مجلس النواب الأمريكي بتصويت مريب حول الحرب في اليمن، بناء على اقتراح تقدم به السيناتور بيرني ساندرز (مستقل عن فيرجينيا) ومايك لى (جمهورى عن يوتاه)، وكريس ميرفى (ديمقراطى عن سينسيناتي) لمجلس النواب، وحصل التصويت على موافقة 64 صوتا، مقابل اعتراض 37 صوتا، في مجلس النواب.
يدعو الاقتراح إلى إيقاف الدعم الأمريكي للسعودية وقوات التحالف للحرب في اليمن.
وجاء رد البيت الأبيض واضحا برفض نتيجة الاقتراع، وبالطبع فإنه يمكن للرئيس الأمريكي حسب السلطات المخولة له أن يمارس حق النقض «الفيتو» على قرار المجلس.
المثير للجدل واللافت أن مجلس النواب الأمريكي يمثل أغلبية جمهورية، أي أنها من الحزب التابع للرئيس، ما يشكل إحراجا إضافيا لترامب، الذي يعاني من انقسام في حزبه من ناحية، ويتابع بقلق شديد تطورات تحقيق لجنة «موللر» التي تحقق في علاقته قبل الرئاسة بروسيا.
ويبدو أن هناك اتجاهاً متصاعداً لمحاولة دمج ملف رد الفعل تجاه قضية «خاشقجي» مع موضوع اليمن، بحيث يصبحان ملفاً واحداً ضاغطاً على «ترامب» وسياسته.
المهم أن تعرف أن الملفين «خاشقجي واليمن»، يتم استخدامهما من ناحية الشكل ضد السعودية، لكنه -من ناحية الموضوع- ضد الرئيس ومحاولة النيل منه ومن رئاسته.
المذهل أن هؤلاء النواب، وهؤلاء الذين يكتبون يتجاهلون حقائق ثابتة في الوقائع وفي التاريخ وفي الجغرافيا، يصعب على العقل أن يصدق أنهم لا يعرفونها.
مثلاً: ألا يعرفون أن اليمن دولة ذات أهمية استراتيجية قصوى وحاكمة في المنطقة، حيث إنها تقع في جنوب غرب آسيا من سلطنة عمان والسعودية، وتشرف على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي من طريق خليج عدن؟
مثلا: ألا يعرفون أن اليمن صاحبة أكبر حدود برية مع السعودية، حيث يبلغ طولها 1458 كيلومترا، وهي أكبر مصدر لتهريب السلاح والمخدرات والبضائع المُهرَّبة ودخول الأفراد الخطرين؟
مثلا: ألا يعرفون أن اليمن ترتبط بحدود مشتركة مع عمان التي تعتبر بوابة دخول الأسلحة الإيرانية إليها عبر 288 كيلومترا؟
مثلاً: ألا يعرفون أن اليمن لديها شريط ساحلي يمتد إلى 2500 كيلومتر، يشكل خطرا على ناقلات النفط وحركة التجارة العالمية؟
مثلا: ألا يعلمون أن تضاريس اليمن الصعبة تجعل منها واحدة من أصعب مسارح العمليات العسكرية في العالم، حيث إنها تنقسم إلى خمسة أقاليم: جبلية، ومرتفعات، وأحواض، وهضاب، وساحلية، وجميعها معقدة من ناحية الهجوم أو الدفاع عنها، وبالتالي فإن أي عمليات عسكرية قد تؤدي إلى بعض الإشكاليات والضحايا؟
هذا الجهل المطبق، أو التجاهل المتعمد لحقائق الملف اليمني، يجعلنا نشك في جدية الرغبة الدولية في مواجهة مخاطر التمدد العسكري الإيراني والقوى المتحالفة معه.
هذا كله يذكرني بعبارة مذهلة لممثل شركة سلاح أمريكية يعمل في المنطقة، قالها لي حينما سألته: «كيف لا تفهمون حقيقة حرب اليمن؟»، فردَّ وقال: «اسأل أي سيناتور عن مكان صنعاء على الخريطة، فإنه بالتأكيد لن يعرف».
ثم عاد الرجل وقال: إنهم يعرفون فقط أين توجد مدينة «دبي»!
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة