هذا سؤال كبير يطرح هذه الأيام بقوة، بعدما كرر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المواقف التصالحية تجاه الولايات المتحدة سواءً من نيويورك أو قبل سفره داخل إيران.
وقد كرر مع وزير خارجيته عباس عراقجي عدم الرغبة ولا الإرادة بالدخول في حرب مع إسرائيل.
مثل هذه المواقف في خضم حرب ضروس تشنها إسرائيل على حزب الله في لبنان، تعني أن إيران لن تقوم بمساندة حليفها وذراعها الأساسية في المنطقة.
كما أنها توقف عملياً سيل التوقعات والمخاوف من حرب شاملة، وهو ما يوفر لإسرائيل فرصة للمضي في هجماتها دون اعتراض جدي من الولايات المتحدة.
ولفّهم ما يجري يتوجب علينا الإحاطة علماً بالآتي:
أولاً: الموقف الإيراني لا يعني التخلي عن حزب الله بالمفهوم المطلق كحليف أساسي، ففي حرب ٢٠٠٦ لم تتدخل إيران عسكرياً لصالح الحزب، واستمرت العلاقة بينهما كما هي، لكن هذه المرة هناك اختلافات جوهرية في السياق الإيراني والإقليمي تجعل الموقف الإيراني مقدمة لنتائج مختلفة بشكل أو بآخر.
ثانياً: إيران لم تتدخل أبداً لصالح حليف لها بالتدخل المباشر، حتى في سوريا استعانت بمليشيات من دول مختلفة وبحزب الله ذاته وبمستشارين منها، وليس بقوات من الحرس أو الجيش، على العكس من روسيا مثلاً.
ثالثاً: وفي هذه الحرب بالذات، تدرك إيران أن الأمر يتعلق بمتغيرات جيوسياسية يراد لها أن تحصل في المنطقة، جزء منها على الأقل على حساب مصالحها، وهي تشجع حلفاءها في المحور على القتال، كي تحسن من فرصها الاستراتيجية في تقليص الخسائر أو تعظيم المكاسب.
رابعاً: وفي حقيقة الأمر فهذا دور هؤلاء الحلفاء، إنهم ليسوا شركاء، بل مقاتلين أو مستخدمين لخدمة الأهداف الإيرانية، وربما اقتنع هؤلاء أن الأمر عقائدي واستراتيجي لتمكينهم في عموم الإقليم بقيادة إيرانية، وأنهم بدون الدعم والقيادة الإيرانية قد يتعرضون للعزل في بلدانهم.
خامساً: إيران لن تتخلى عن هذه القوى، فهي استثمارها الناجح، وأولها حزب الله، لكنها قد تقبل بتقليص أدوارها محليا داخل بلدانها، وجعلها أقرب للسياسة منهم للعسكرة.
وبالطبع فكل ذلك مقابل أثمان تتضمن رفع العقوبات، والحفاظ على قدر من المصالح الإيرانية في العراق ولبنان وسوريا، وتحول إيران إلى قوة إقليمية قريبة من الغرب، وإن واصلت رفع «شعارات الثورة».
سادساً: ومن وجهة نظر منطقية لم يأت الرئيس الإيراني بزشكيان بجديد، فقد كان ذلك معروفاً منذ البداية، ومقدراً تخطيه بدعم إيراني حتى وإن كان بمجرد التهديد، فيكفي التلويح بالحرب، للضغط على إسرائيل والغرب، لكن بدلا من ذلك، لوحت إيران بالسلام فيما يغرق حليفها بالحرب، فمنحت إسرائيل ضوءاً أخضر للتصعيد، وطمأنت الغرب إلى أن الأمر لن يتحول لحرب شاملة كما كان يخشى.
سابعاً: إن كان حزب الله لا يستطيع مواجهة إسرائيل وحده، ولن تدعمه إيران ومحورها، وهو لم يتبق له أصلاً سمعة تجعل له أصدقاء يدعمونه، فهل يكون تصريح الرئيس الإيراني دعوة للحزب إلى الاستسلام؟، الجواب ببساطة لا، لأن الوحل العسكري الذي يغوص به حزب الله، مرتبط بطريقة أو بأخرى بأن التوقيت غير مناسب لإيران لخوض مغامرات أكبر.
ثامناً: وقد يقول قائل: لا أعرف ما هو المنطق الذي تتعامل به إيران مع حلفائها، فبينما تدفعهم نحو الحرب، تذهب هي للتفاوض وجني الأرباح؟، ومن المهم كذلك التوقف عند هذا التساؤل، إذ لا يمكن وضع مثل هذا المنطق ضمن ما يعرف بالبراغماتية، بل هي انتهازية في أبشع صورها، عندما تجعل حلفاءها أمام حروب مدمرة، بينما تجد لنفسها المبرر تلو الآخر للجلوس على طاولة المفاوضات، هذا على الأقل ما بات يردده الكثير من مؤيدي إيران ومحورها نفسه.
تاسعاً: جمهور حزب الله (العربي) يطلب منه الثأر ورد الاعتبار، لكن إيران راعية المحور، وصاحبة القرار فيه لا تريد، حتى بلغنا اليوم مرحلة سيقاتل فيها حزب الله دون إيران، لكنه سيحرص على البقاء ضمن قواعد تحفظ وجوده، فذلك هدفه الأهم، وعلى أمل أن يرضي ذلك جمهوره المصاب بخيبة أمل من ضعف الحزب والثغرات في هياكله.
أخيراً: لن تكون مؤكدة نهايات هذه المقاربة، لكن إيران لن تشارك بشيء، ولن تفرط بمشروعها طويل الأمد في المنطقة من أجل أحد حتى وإن كان حزب الله، الذي يعتبر أصل الأذرع الإيرانية في المنطقة، فنشأته وتأسيسه مرتبطة بالنموذج الذي ألهم إيران لاحقاً تأسيس بقية المليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة