مما لا شك فيه أن التأخير في تسمية الوزارات الشاغرة يلقي بظلاله السلبية على مجمل العملية السياسية، بل يهددها في الصميم
قد لا نجد في تاريخ الوزارات العراقية حالة مستعصية مثل التي تواجهها حكومة عادل عبدالمهدي الآن، فبعد مرور ثمانية أشهر على تشكيل حكومته ظلت وزارات الدفاع والداخلية والعدل والتربية شاغرة، وتعمل بالوكالة لأن الكتل الطائفية تقف وراء أحزابها طامعة في اغتنامها، لأنها تدر الأموال الطائلة من خلال عقود الأسلحة وغيرها، ولا تزال الكتل البرلمانية التي تمثل أحزابها الطائفية غير متفقة على أسماء المرشحين إلى الحقائب الشاغرة، مما أدى إلى تأجيل جلسات مجلس النواب مرات عديدة، واحتدت الخلافات إلى درجة راحت بعض الكتل السياسية تقايض الأخرى حول رئاسة لجان معينة مقابل تنازلها عن هذه الوزارة أو تلك.
في حقيقة الأمر، ليست هناك رغبة سياسية صادقة بالتعاون مع عادل عبدالمهدي وسط تحديات خارجية وداخلية كبرى، أبرزها السلاح المنفلت بيد المليشيات في الداخل، أما في الخارج يتربص هذه الأيام شبح الحرب مع إيران الذي يلقي بظلاله على التعجل في إكمال الكابينة الشاغرة
والخلافات تعصف بالشيعة والسنّة والأكراد على حد سواء، لأنهم يتصارعون على هذه الوزارات، ووصلت الانشقاقات بين الكتلة الواحدة والأكراد أنفسهم، كما لا يملك رئيس الوزراء القدرة ولا الصلاحية في اختيار المرشحين لهذه الوزارات، لأنه رهين بالحصص الطائفية ومقاسات تمثيل المكونات، الجميع يطمع في هذه الوزارات لأهميتها الاقتصادية في الدرجة الأولى، حتى الأكراد لم يتحدوا على رأي موحد، فهناك خلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وبين الاتحاد الوطني الكردستاني حول حقيبة وزارة العدل بحس التوزيع السياسي للطوائف المصنف على الشكل التالي، رئاسة الوزراء للشيعة ومجلس النواب للسنة، ورئاسة الجمهورية للأكراد.
ولا يزال مجلس النواب يتجادل حول أسماء الوزارات الشاغرة وأحقية كل طائفة وحزب بها، دون التفكير بالقدرات والكفاءات التي يتمتع بها هذا الوزير أو ذاك. تدور هذه المجالات والخلافات بين الكتل السياسية المتصارعة في ظل انقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات العامة وانتشار الفساد في مفاصل الدولة، وفي الوقت نفسه يطالب الجميع بإكمال تشكيل الحكومة، ولكن لا أحد يقدم التنازلات للآخر أو أن يضع مصالح الوطن نصب عينيه، مجلس النواب العراقي عاجز عن اتخاذ أي قرار لأنه محكوم بالمحاصصة الطائفية.
مما لا شك فيه، إن التأخير في تسمية الوزارات الشاغرة يلقي بظلاله السلبية على مجمل العملية السياسية، بل يهددها في الصميم وسط غضب الشارع، فيما تقف الأحزاب الدينية عاجزة عن إنهاء خلافاتها السياسية، بل وصلت هذه الخلافات إلى مراحل خطرة تهدد الكتلة الواحدة بالتفكك؛ نتيجة تمسك بعض النواب وقادة الكتل بالمرشحين.
تتعمد بعض القوى على إثارة الخلافات والتصعيد مما وضعت رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في حالة من العجز والانكماش، هذا وضربت الخلافات أكبر كتلتين في مجلس النواب وهما: تحالف الإصلاح وتحالف البناء إلى درجة التفكك بسبب تناقضاتها الداخلية. وعلى ما يبدو أن هذه الخلافات غير قائمة على البرنامج أو المشروع الحكومي، بل على الأسماء، وما تتمتع به من خلفيات طائفية وحزبية التي لا تقوم على أسس وطنية. وهنا تكمن العلة أي أن هذه الكتل الطائفية حبيسة انتماءاتها الضيقة، في غياب المشروع الوطني الموحد لجميع العراقيين.
تتنازع الكتل الشيعية والسنيّة والأكراد على وزارات الدفاع والداخلية والتربية والعدل. فالخلافات شيعية شيعية، وسنيّة سنيّة، وكردية كردية. هناك أكثر من مرشح لوزارة الداخلية دون توافق تحالفَي البناء والإصلاح على مرشح واحد من بين المرشحين. وتحالفات السنّة والأكراد ليست أفضل حالاً من التحالفات الشيعية. وفي ظل هذه الأوضاع يبدو من الصعب الخروج من الأزمة. ما يجعل مهمة رئيس الوزراء في إكمال حكومته صعبة ومعقدة، وخصوصاً بعد فتح ملف الاستجوابات التي ستطال عدداً من وزراء حكومة عادل عبد المهدي، ومن شأنها استمرار دوامة الحكومة ومجلس النواب معاً. صحيح أن مرشحي وزارتي الداخلية والدفاع شخصيات عسكرية لكنها غير مستقلة، وأن كل واحد منهم تابع لجهة سياسية معينة، وأي شخصية تُرشّح بشكل مستقل لمنصب وزاري لن يحظى بدعم النواب وتصويتهم أبداً.
ولا تبدو الكتل السياسية على استعداد لترك الخلافات حول المناصب والغنائم، حيث يتمسك كل طرف سياسي بمصالحه. والاتفاق المبدئي لا يعدو أن يكون سوى محاولة لإنقاذ العملية السياسية المتعثرة، وغير نابع من مصالح العراق الحيوية. فعلى الرغم من الوزارات الشاغرة فإن بعض الوزارات الأخرى في الحكومة الحالية مشمولين بإجراءات المساءلة والعدالة والفساد.
في حقيقة الأمر، ليست هناك رغبة سياسية صادقة بالتعاون مع عادل عبدالمهدي وسط تحديات خارجية وداخلية كبرى، أبرزها السلاح المنفلت بيد المليشيات في الداخل، أما في الخارج يتربص هذه الأيام شبح الحرب مع إيران الذي يلقي بظلاله على التعجل في إكمال الكابينة الشاغرة؛ لأن العراق شئنا أم أبينا شريك أساسي لإيران في سلمها وحربها.
هل تطيح الوزارات الشاغرة بالتحالفات السياسية في العراق وتنهي العملية السياسية؟ الجميع ينتظر ما تحمله الأيام المقبلة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة