انتحاريات يقعن فريسة لـ"بوكو حرام".. وعود شيطانية بالجنة
3 فتيات في مقتبل العمر، تلف كل واحدة جسدها بحزام ناسف، تقترب إحداهن من محطة وقود والأخرى من مطعم صغير، بينما الثالثة تندس وسط حشد كبير.
ثلاث عمليات انتحارية متفرقة، ضمن عشرات التفجيرات، بفارق 3 أعوام وقعت في شمال نيجيريا، منذ عام 2014، كانت مثالا حيا على الدور المتزايد للنساء في منظومة العنف الإرهابية مؤخرا.
مشهد مُكرر، يختلف فيه مكان التنفيذ، بينما يظل العنصر الثابت فيه هو استخدام النساء والفتيات القاصرات في الأعمال الإرهابية، خاصة من يمتلكن معرفة دينية ضحلة، وأفكارا متشددة تلقينها على يد واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية وأعنفها في أفريقيا وهي "بوكو حرام".
رغم أن توظيف النساء في حمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية ليس بجديد على التنظيمات الإرهابية، لكن التوسع في الاعتماد على تلك الفئة، وتصدرها خطوط العناصر الإرهابية في دول عدة، أبرزها شمال نيجيريا، أثار مجددا التساؤل حول العقلية النسائية التي تسلم عقلها وروحها، لتنظيم إرهابي يمنيها بالشهادة، في مقابل زهق أرواح الأبرياء.
شباك الاستقطاب
محمود منصور المشرف في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أكد لـ"العين الإخبارية" أن التنظيمات الإرهابية تدعي أنها تسعى لإقامة مجتمعٍ مسلمٍ متكاملٍ، تُحفظ فيه الحقوق، وتًؤدي فيه الواجبات، وترسم تلك الجماعات في أذهان أتباعها صورة ذهنية مشرقة، لا يجد الإنسان معها إلا الانصياع الكامل، والتسليم المطلق لأفكارها، مما يسهل استقطاب مزيدٍ من المغرر بهم ممن يحلمون بهذا المجتمع الفاضل.
وتابع: "بمجرد أن تقع الفريسة في شباك الاستقطاب، وقيود الولاء للتنظيم، تجد واقعا أليما، وحقيقة صادمة، لا علاقة لها بتلك الصورة الذهنية التي كانت راسخة في الوعي والعقل قبل الانضمام".
وكدليل على هذا التفاوت، أضاف منصور: "أول ما يطالعنا هو حال النساء داخل هذه التنظيمات المتطرفة، واللاتي تم استقطابهن بوعود براقة، وشعارات زائفة، ادَّعت كذبا وزورا، أن المرأة ستجد في ظل الانضمام لها معاملة حسنة، وبعد أن يتم الاستقطاب، تُجبر النساء على البقاء بالمنازل، لتكون المرأة مجرد أداة من أدوات القتل، في أكبر العمليات الإرهابية".
وعزا المشرف في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف السبب الرئيسي في استقطاب النساء لدى التنظيمات الإرهابية، إلى رغبتها في استغلال كافة الشرائح الاجتماعية، وفي مقدمتها المرأة وقضاياها المختلفة لخدمة مصالحها.
وتسعى التنظيمات الإرهابية إلى جعل المرأة بمثابة جائزة يظفر بها المنضمون من الشباب إلى صفوفهم من خلال توفير زوجة لكل واحد منهم، وربما أكثر، بكل سهولة ويسر، وبدون أدنى تكلفة تُذكر، فضلا عن استرقاق النساء، وبيعهن كسبايا حربٍ، في عودة صارخة إلى أكثر العصور ظلاما، وفقاً لـ"منصور".
فريسة سهلة
وحول دوافع انضمام النساء لتلك التنظيمات الإرهابية، اعتبر العالم الأزهري أن إظهار إيمانهن والتقرب إلى الله يأتي في المرتبة الأولى، عبر الزواج من أحد أفراد التنظيم، وأحيانا يكون التخلص من العنف الأسرِي أو الجنسي الذي تعرضنَ له، أو مِن إهمال الوالدَين الذي طالهن.
ونبه كذلك إلى شعور بعض النساء بالعزلة الاجتماعية، مما يجعلهن فرسية سهلة عند الاستقطاب، لا سيما عندما يتم وعدهنَّ بأنه سيكون لهن دور اجتماعي كبير ومؤثر، هذا ما أظهرته نتائج المقابلات مع العائدات من صفوف تلك الجماعات الإرهابية.
وكشف منصور أن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وفق آخر الإحصائيات التي أجراها حول أعداد العائدات من صفوف التنظيمات الإرهابية، رصد تزايدا في أعداد النساء.
ووفق مرصد الأزهر، فقد ظهر اهتمام التنظيمات الإرهابية بالمرأة جليًا فى عام 2017 عند إصدار أول مجلة نسائية تحمل شعارًا زائفًا يعمل على جذبهن واستعطافهن، ما يوحي في بادئ الأمر أن أولئك المجرمين يحترمون النساء ويقدرونهن في مجتمعهم الزّائف.
أكبر عدد انتحاريات
بدوره، حذر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية من استغلال الجماعات والتيارات الإرهابية للنساء؛ لتجنيدهن لشن هجمات انتحارية خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن جماعة "بوكو حرام" الإرهابية تكثف هجماتها في شمال الكاميرون خلال الفترة الحالية في محاولة منها لتصدر المشهد ونشر منهجها وفكرها المتشدد بالقوة.
كشف مرصد الإفتاء، في بيان له، أن "بوكو حرام" المتطرفة نشرت أكبر عدد من الانتحاريات في عدد هو الأكبر من أي جماعة مسلحة؛ حيث قامت الحركة بشن أكثر من 400 هجوم انتحاري بواسطة الانتحاريات التابعات للحركة المتطرفة منذ عام 2011 تركزت معظمها في شمال شرق نيجيريا والدول المجاروة (النيجر - تشاد – الكاميرون).
وقبل أسبوع، نفذت امرأة عملية انتحارية وسط حشد من الفارين من هجوم مسلح شمال الكاميرون بالقرب من الحدود مع نيجيريا، ما أدى إلى مقتل 13 شخصًا على الأقل، بينهم أطفال.
وذكر تقرير للأمم المتحدة أن مهاجمين نفذوا هجومهم في الصباح الباكر بإطلاق النار في الهواء، حيث "فر السكان المذعورون إلى الغابة، وفي ذلك الوقت انغمست امرأة تحمل عبوة ناسفة وسط حشد الفارين وفجرتها".
ويعد ٢٠٢٠ هو العام الأكثر دموية في تاريخ تنظيم بوكو حرام الإرهابي، إذ إن مسلحيها يستمرون في تنفيذ العشرات من العمليات الإرهابية التي تتنوع بين القتل والذبح والاختطاف، دون تفرقة بين المدنيين والعسكريين أو الأطفال والشيوخ.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد تسبب العنف في نيجيريا والدول المجاورة نتيجة العمليات الإرهابية لجماعة "بوكو حرام" في نزوح 1.7 مليون شخص، ومقتل 20 ألفًا منذ عام 2009 حتى الآن.