"العين الإخبارية" تفتح ملف إرث النساء في صعيد مصر.. لماذا أصبح الظلم تقليدا مجتمعيا؟
كثير من التصرفات الخاطئة تتحول مع البعض إلى عادة اجتماعية، حيث يألفها الناس ويعتبرونها ميزانًا لأحوالهم.
عادة عدم توريث الإناث، تعد أحد تلك التصرفات الخاطئة، وتنتشر في صعيد مصر، وأصبحت عادة متوارثة وتقليدا من تقاليد بعض العائلات الكبرى، وبموجبها تُحرم المرأة من الحصول على ميراثها بأي صورة من الصور.
"العين الإخبارية" تحقق في تبعيات تلك العادة، وتحاول الإجابة على سؤال بشأن إمكانية القضاء عليها.
ثقافة عدم العدالة
تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس المصرية، إن عدم توريث الإناث يعبر عن النظرة الخاطئة للمرأة، وعن عدم العدالة، ويشير إلى ضعف الإدارة المجتمعية العامة.
وتوضح خضر، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن الأسر تفكر في منع توريث الإناث حتى لا تذهب أموالها وأراضيها لرجال غرباء من خارج الأسرة، وهي "ثقافة صعبة في بعض الأماكن في الصعيد، وتمثل تشوهات تلتصق بالرجل في هذه الأماكن، وهي أمر محرم في الدين والفكر والإنسانية".
وأكدت أن أكل الميراث موجود في بعض المناطق في الصعيد عند المسلمين والمسيحيين، فهو ليس مرتبطًا بالدين، ولكن بالعادات والتقاليد التي تتسبب في توريث الكراهية والغضب والشعور بالدونية والظلم، مما يدخل المجتمع في دائرة عنف لا تنتهي.
وحمَّلت أستاذ علم الاجتماع، الإعلام والبرلمان والأسرة وعلماء الدين، مسؤولية انتشار مثل تلك العادات الخاطئة، وقالت إن الإعلام يهتم بالموضة أكثر من اهتمامه بالمرأة، وأن البرلمان به عدد كبير من النائبات السيدات لكنهن لم يجدن حلا للقضاء على هذه الثقافات، مضيفة أن الأسرة ترى أن إنجاب الولد سيحمي شقيقاته لكنه يأكل حقوقهن، وطالبت علماء الدين بالحديث بشكل أكبر عن حرمانية أكل الميراث.
وقالت الدكتورة سامية خضر إن الفن الحديث لم يهتم بحقوق المرأة، بعكس الأفلام القديمة التي كانت تحض على الاهتمام بفكر المرأة وحقوقها، وضربت المثل بفيلم "الباب المفتوح" لفاتن لحمامة ودوره التوعوي.
انتشار الخصومات الثأرية
من جانبه، قال اللواء عادل عبدالعظيم أيوب، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، إن 50% من الخصومات الثأرية بصعيد مصر سببها الميراث.
واستشهد أيوب واستشهد بواقعة حديثة، حين عاير والد ابنه بأن والدته لم تأخذ ميراثها من أخيها، فما كان من الولد إلا أن توجه إلى خاله وأطلق النيران عليه.
وأشار مساعد وزير الداخلية الأسبق، إلى أن هناك اختلافا في الثقافة، فبعض القبائل أو الأسر الصعيدية لا تورث المرأة نهائيا، والبعض الآخر يعطيها ترضية بسيطة، فإذا كان لها مثلا 5 أفدنة بقيمة 5 ملايين جنيه، يعطونها 50 ألف جنيه ويقولون لها "ارضي بذلك".
وأكد أيوب أن هذا يحول الأقارب لأعداء، وإذا حدث تصالح في قضايا الثأر ظاهريًا، تبقى قضايا الميراث دون حل، والبعض يعتبر تعويضات الثأر تعويضًا عن الميراث، لكن الآخرين لا يعتبرون أنها تكافئ الميراث، فيستمر الحقد والتربص لأن "الخصومة التي تبنى على ميراث لا تنتهي وتورث للأحفاد".
عامل تفكك أسري
واعتبر الشيخ السيد شبل، الداعية الإسلامي، أن أكل ميراث الإناث، يعد عامل تفكك أسري كبير في المجتمع، مؤكدًا أنه يعتبر سببا لإقدام الأولاد على قتل أخوالهم في العديد من الخلافات العائلية.
وأرجع شبل، في تصريح خاص لـ" العين الإخبارية"، سبب انتشار الظاهرة إلى اهتمام الخطاب الديني بمظهر الدين دون جوهره، مؤكدا أن الخطاب الديني الحالي لا يعالج المشاكل الاجتماعية.
وأوضح شبل أن جوهر الديني الحقيقي المعاملة والأخلاق، وأن مقاصد العبادات هي تحسين الأخلاق والمعاملات، لكن الناس تهتم بالمظاهر فقط، مضيفًا: "الواحد فيهم يكون واكل ميراث إخواته البنات، وقاعد طول النهار بيصلي ويصوم ويروح يحج كل سنة".
علم القلوب
يرى شبل أن العلاج يكون بالتوعية وبيان الحكم الشرعي، وتعليم الناس لما أسماه "علم القلوب"، حتى يتعلموا الخشية من الله في السر والعلانية.
كما طالب بإظهار حكمة الأحكام بدلاً من التركيز على الحكم الشرعي فقط، لأن روح الأحكام تجعل المجتمع في أمن وسلام، وأكد أن خطب وزارة الأوقاف الموحدة إذا قام الخطيب فيها بالإبداع فإنه سيستطيع معالجة المشاكل الاجتماعية، لكن التزام الغالبية بالنص لا تحل المشاكل.
وأكد شبل أن وزارة الأوقاف لم تلزم الخطباء بالنص، وتطالبهم فقط بالالتزام بالموضوع، لذلك عليهم تطويع الموضوعات لمعالجة المشاكل الموجودة في مناطق مساجدهم.
من أمن العقوبة أساء الأدب
شدد أيوب على أهمية التوعية الدينية الاجتماعية، وطالب بإقرار تشريعي أقوى في حالة التعدي على الميراث، يجعل السجن المشدد وجوبيا في هذه القضايا، واستشهد بتشديد العقوبة في مخالفات السير عكس الاتجاه وما أسفرت عنه من زيادة الالتزام.
وقال أيوب: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، مطالبًا بأن يودع الشخص المشكو بحقه في قضايا الميراث في الحبس الاحتياطي، وأن يكون الحبس وجوبيًا، وألا تظل قضايا الميراث لسنوات عدة في القضاء.
كما أكد أهمية دور الإعلام في تغيير العادات الخاطئة، وطالب وزارة الأوقاف بتوجيه الخطب لحل المشاكل الاجتماعية ومن ضمنها أكل الميراث.
التوعية متوقفة
تؤكد الدكتورة سامية خضر أن التوعوية في الإعلام والفن شبه متوقفة، ولابد من وجود قوة تثقيفية فكرية توعوية لحل مثل هذه المشاكل.
وطالبت خضر بتوجيه الخطب في المساجد عن حقوق المرأة في الميراث، والتركيز في الإعلام على دور الرجل في حماية المرأة وليس انتزاع حقوقها.
aXA6IDMuMTM2LjI1LjI0OSA=
جزيرة ام اند امز