صنّاع الثقافة والمعرفة في مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة
إسهاماً لترسيخ أسس نهضة الترجمة العربية، مشروع كلمة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي يختتم فعاليات مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة الـ6
استضافت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، فعاليات مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة، في الفترة من 26 لغاية 29 أبريل 2018، متمحوراً حول موضوع "الترجمة العلمية والتطور المعرفي" بمشاركة طيف واسع من صناع الثقافة والمعرفة من 63 دولة تحت شعار: "نبني المستقبل".
جاء ذلك ضمن فعاليات الدورة الـ28 من معرض أبوظبي للكتاب الذي يُقام تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض في أبوظبي،
وانطلق المعرض 25 أبريل/نيسان تحت شعار "نبني المستقبل" في مركز أبوظبي الوطني للمعارض "أدنيك"، ويستمر حتى 1 مايو 2018.
وشهد يوم الأحد 29 أبريل، ثلاث جلسات جاءت الأولى منها بعنوان "عروض لواقع الترجمة العلمية" حول أهمية العلوم في تطوير المجتمعات، وتحديات نقل المنتج العلمي إلى الآخر، ودور السينما العالمية في نشر المنتج العلمي، شارك فيها أليكسيس جامبيز، أورورا هوماران، سعد الله إبراهيم، رودولف جيلين وأدارها عمر البوسعيدي، وجاءت الجلسة الثانية بعنوان "ترجمة العلوم لغير المختصين ومسائل التبسيط العلمي" متناولةً أسلوب الكتابة العلمية في المجالات العلمية لغير المختصين، وتحديات ترجمة البرامج التلفزيونية العلمية والطبية والوثائقية، وتأثير ومساهمة ترجمة العلوم لغير المختصين في نشر المصطلح العلمي، بمشاركة محمد الخزاعي، طارق عليان، د. هالة شركس، شهاب غانم وإدارة عبدالهادي الإدريسي، والتي ركّز فيها المحاضرون على إشكالات واقع الترجمة إلى العربية في مجالات الطب والصحة والعلوم بجميع أنواعها، والعلاقة الجدلية بين المحتوى التلفزيوني والوثائقي والسينمائي العلمي والطبي واللغة نفسها، لجهة ضرورة الترجمة وتطبيق أفضل الممارسات فيها لكونها خطاباً مؤثراً في جميع مستويات وفئات المجتمع، وبخاصة العلمي.
واستعرض محمد الخزاعي بدايات الترجمة إلى اللغة العربية، حيث قال: "البداية كانت في بغداد الدولة العباسية عندما أبدى خلفاؤها اهتماماً وحرصاً على الترجمة، وأنشأوا لها دواوين في قصورهم لهذا الغرض، وتطور هذا الاهتمام في عصر المأمون الذي أمر بتأسيس بيت الحكمة لأجل نقل علوم اليونان و فلسفتها إلى اللغة العربية. ولما كانت اللغة العربية متطورة بمقياس تطور اللغات وكان شعرهم هو ما يفتخرون به وديوانهم الذي يتباهون به بين الأمم، فإنه عند اتصالهم باليونان أخذوا ينقلون عنهم ما كان ينقصهم من علوم الطب والكيمياء والرياضيات والفلسفة بشكل أساسي. أما فنون الشعر فلم تكن لهم بها حاجة خصوصاً الشعر الملحمي والدرامي، الأمر الذي أدى إلى تأخر ظهور فنون الدراما لديهم حتى منتصف القرن التاسع عشر عند اتصالهم بأوروبا في مطلع النهضة الحديثة"، وصولاً إلى أنّ التطور الطبيعي للعلوم أدّى مع استقرار الدولة وتأكيد الإسلام على طلب العلم فكان لا بد من الترجمة، وتنامى نشاط الترجمة وبلغ أوج ازدهارها مع جهود بيت الحكمة ببغداد، وعليه فيمكننا القول بأمان إن بداية الترجمة عند العرب كانت علمية بما لا يدع أي مجال للشك.
وختم محمد الخزاعي بالقول: "يجب على المرء أن يتساءل هل نحن بحاجة للترجمة العلمية حقاً؟، دعونا نتفق أولاً أن الترجمة العلمية تتطلب في الأساس مترجمين متخصصين في مجال عملهم وملمين بالعلوم كالهندسة بجميع فروعها وعلوم الطبيعة والفيزياء والطب. بالطبع لا أحد يتوقع من المترجم العام غير المتخصص أن يضطلع بالترجمة العلمية، لذا فإن هذا النوع يجب أن يوكل لأهل الاختصاص كل في مجاله خصوصا تلك المقررات التي تدرس باللغة العربية.
وقد تلت الجلسة الثانية جلسة نقاش عامة مع الحضور بمشاركة أ. د. محمد عصفور، د. عبد الهادي الإدريسي، وأورورا هوماران، أجمع فيها المتحدثون على توجيه الشكر العميق لكل من ساهم في تيسير السبل لهذا اللقاء الهام للمترجمين في رحاب أبوظبي، من دائرة الثقافة والسياحة ومشروع كلمة الرائد، وكل المنظمين والمشرفين الذين بذلوا جهدا مشكورا في إنجاح اللقاء وللحضور من المهتمين بالترجمة والباحثين والمترجمين الذين حضروا الورش فأسهموا وشاركوا وكان منهم كل ما يتوسم فيه المرء الخير، كما استعرض المتحدثون إشكالات الترجمة، وبخاصة الترجمات السلسة الخاصة بالآداب وأدب الأطفال والمؤلفات الإبداعية، وأثنوا بدايةً على دور المؤتمر في تحفيز الترجمة إلى العربية والارتقاء بمعاييرها العلمية.
وقال د. محمد عصفور "سمعنا هذا الصباح نقاشاً حول ترجمة العلم للجميع في مقابل ترجمة النصوص العلمية التي قد تستخدم للتدريس على المستوى الجامعي، وبخاصة مشكلات المصطلح والتي برأيه تتعلق بترجمة المصطلح العلمي حيث إنه لا داعي للوقوف عند مشكلات المصطلح في مجال تعليم العلوم للجميع، لأن ذلك يُفقدها فائدتها".
أما أورورا هوماران فتناولت وضعية الترجمة ومهمتها الضرورية في ظل الهجرات الكبرى التي يشهدها العالم في أمثلة الهجرة المتعددة الجنسيات إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وركزت أورورا على مبادرة الكتاب المترجم "خليل وخليل" الذي تم توزيعه مجاناً على مخيمات اللاجئين في اليونان، مستهدفاً الأطفال من الفئة العمرية بين التاسعة إلى الرابعة عشرة وبخاصة الأطفال الهاربين من كوارث الحروب في بلادهم، وخاصة فلسطين"، خالصةً إلى أنّ الترجمة متوفرة بسهولة من الإسبانية والإنكليزية وإليهما ولكن الصعوبة في توفر الترجمة إلى العربية كمثال على إشكاليات الترجمة المعاصرة عالمياً.
وفي كلمة وجهها وهيب عيسى الناصر، نائب رئيس جامعة البحرين للبرامج الأكاديمية والدراسات العليا، في ختام فعاليات المؤتمر، قال: "كان لي الشرف والفخر أن أكون أحد المتحدثين في مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة ضمن كوكبة من أصحاب الخبرة والممارسة والرؤية المستقبلية لأهمية الترجمة إلى العربية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، نظرا لأن ترجمة مثل تلك المحتويات هي التي رفعت من قدر الأمة الإسلامية في مجال العلوم في العام 100 الميلادي؛ فبفضل من الله وبجهود حثيثة من الخلفاء الثلاثة العباسيين، وخصوصا المأمون، تمت ترجمة كثير من النصوص والفكر والعلوم من اليونانية أو السريانية أو المصرية إلى العربية حيث أعيد ترجمتها إلى لغتها الأم، خصوصا اليونانية، ثم إلى الإنجليزية مرة أخرى، بالإضافة إلى إصدار العلوم الحديثة والفلسفات، معرباً عن أسفه أنّ العرب حالياً ننتج 1% من المعرفة فقط على الشبكات الإلكترونية وأن فقط 5% هم ممن يرتادون مواقع العلوم والتكنولوجيا.
وانعقدت على هامش المؤتمر سلسلة ورش عمل للمتخصصين، الأولى بعنوان "مهارات الترجمة العلمية في مجالي الفيزياء والكيمياء" بإدارة أ. د. همام غصيب، عالم الفيزياء النظرية في الجامعة الأردنية، والتي تناولت المواد العلمية الفيزيائية، قال غصيب: "إن الورش التدريبية التي أقيمت كانت أشبه بالمارثون حيث امتدت إلى خمس ساعات أو أكثر، عرضنا فيها مجموعة نصوص وتسجيلات علمية حول جهود المجمع اللغوي بالأردن في تعريب العلوم، وتضمن النقاش فيها ثنائية التأليف أم الترجمة.
وقال د. غصيب حول ذلك: «هذه الثنائية أعيتنا، ولابد من أن نخلص منها إلى شيء، فالتأليف إبداع والترجمة إبداع، كما ناقشنا قضية الرموز العلمية هل هي لزوم ما لا يلزم، أم نأخذها كما هي من لغتها» وأضاف: «إن التعريب الشامل بمفهومه العريق يقتضي أن «نعرّب» أي أن نجعل لغتنا العربية لغة للعلم والمعرفة، إن مشروع التعريب موجود وهناك جهود للمجامع العربية في هذا المجال خاصة المجمعين الأردني والمصري، حيث نشرنا بعد جلسات حوارية ونقاشية طويلة عملاً موسوعيا ضخما، بل تم إعادة طبعه، ونأمل أن يبدأ المعنيون من حيث انتهينا".
وركزت الورش التي قدّمها غصيب على مشكلة المصطلح والتعريب، والتي رآها مشكلة مبالغا فيها أيضا، فالنص العلمي في رأيه لا يعتمد فقط على المصطلح وإنما يعتمد أيضاً على الصك، الصك النثري الصافي، "فمعظمنا نحن العلميين لا يستطيع التكلم بلغة فصيحة وسليمة أكثر من نصف دقيقة ثم يتلجلج ويخلط العربية بالفرنسية أو الانجليزية أو غيرهما، أما علماؤنا القدامى من العرب وغيرهم فكانوا يتمتعون بلغة نثرية راقية، فالقضية ليست في المصطلح حيث يمكن وضعه بلغته لكن المهم هو توصيل مفهومه بلغة عربية صحيحة وسليمة".
وجاءت سلسلة الورش الثانية التي جاءت بعنوان "مهارات الترجمة العلمية في مجال الطاقة النووية" التي أدارها أ. د. عبد الهادي إدريسي، متناولاً الجانب النظري حول بعض مسائل الترجمة وشجونها، ثم انتقل إلى الإجابة على أسئلة نذكر من بين أهمها: "ما الترجمة؟"، "ما الذي نترجمه؟"، أو "ما اللبنة الترجمية، أي الوحدة التي يمسك بها المترجم ليباشر عمله الترجمي نقلاً من لغة إلى لغة؟"، "ما مراحل العمل الترجمي؟"، "الاستيعاب ثم نزع اللفظ عن المعنى ثم إعادة كسوته بألفاظ من اللغة الناقلة؟"، "هل يمكن الحديث فعلاً عن (ترجمة علمية)؟"، "ما المشاكل التي يطرحها المصطلح في ترجمة النصوص العلمية؟"، "ما الذي ينبغي أن يتوفر عليه مترجم النص العلمي؟"، هذه وغيرها من الأسئلة اجتهدت الورشة في الإجابة عليها، وجرى ذلك كله في جو من التفاعل الإيجابي نمّ عن اهتمام حقيقي لدى المشاركين ورغبة صادقة في استكشاف أغوار هذا العمل الشاق الممتع في آن معاً.
وكان إدريسي في الورش التي قدمها تناول ترجمة بعض النصوص القصيرة المتعلقة بالطاقة النووية، حيث تمثّلت الصعوبة الوحيدة في مشكل المصطلح، الذي يتطلب حله عملا دؤوبا وجهودا لا تكلّ، لأنه يقف عائقا حقيقيا أمام تعلم أبنائنا وفهمهم للمبادئ العلمية، وقد وقف المشاركون في الورش على هذه الحقيقة أثناء مباشرة ترجمة النصوص القصيرة التي جرى اقتراح الاشتغال عليها.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA== جزيرة ام اند امز