تتزايد المخاوف في جميع أنحاء العالم من التغيرات التي تجري على الساحة الدولية.
وتبرز أسئلة في منطقتنا العربية مثل: ما تأثير هذه الأزمات في دولنا؟ وكيف يمكن تخطي المشكلات الحالية دون خسارات لا يمكن مواجهتها؟
الحقيقة أن هناك مراحل تُغير شكل العالم، تُذكر في التاريخ بتفصيل وتمعُّن، مراحل شكّلت الحاضر، وتشكّل المستقبل، وها نحن في إحدى تلك الأحداث المفصلية، التي لا يعود بعدها العالم كما كان، فالصراع الروسي-الأوكراني، والضعف والتخبط الأمريكي، واهتزاز المحاور الغربية، واعتماد الدول على تكتلات بينية، اقتصادية وسياسية، وقبل ذلك أزمة كورونا، كلها أحداث هزت النظام الدولي وقللت الثقة به، ما يطرح تساؤلات حول إعادة التموضع لتخطي تلك العقبات أو الحصول على فُرص قد لا تتكرر.
ولعل أبرز تلك الأحداث ما جرى خلال الأسبوع المنصرم عقب قرار "أوبك+" بخفض إنتاج النفط بمليونَي برميل، وما تلاه من تخبُّط في المواقف الغربية، حيث إنه أكبر دليل على أن المنطقة تغيرت إلى الأبد، وأننا مقبلون على مرحلة مهمة في التاريخ ستُشكّل وجه الإقليم، فالتعامل الخليجي مع هذه الأزمة جاء بموقف راسخ مبني على المصالح الاقتصادية المشتركة، بعيدًا عن التسييس أو معادلات الانحياز تجاه طرف ضد آخر، وهو في الحقيقة ما كان ينادي به الغرب طويلا عبر فصل الرياضة والاقتصاد والمجالات كافة عن السياسة ومعاركها، لكن سرعان ما تراجع الغرب ذاته حين شعر بتضرر مصالحه.
خلال العقود الثلاثة الماضية مرت على الشرق الأوسط أحداث دراماتيكية لم يكن يتوقعها أحد.. حروب وانتشار للإرهاب، وفوضى ثورات متتالية.. حالة عدم الاستقرار تلك أثرت في دولنا بشكل كبير، لكن يبدو أن هذه المرحلة قد ولّت، ولا ندري لرُبما نكون محظوظين بما يمر به العالم اليوم، حيث إنها باعتقادي المرحلة الأنسب للبناء على حالة عدم الاستقرار العالمي بتكتل عربي قوي يواجه التحديات عبر الاستعانة بالحلفاء التقليديين والجدد، عن طريق الشراكة الحقيقية القائمة على المصالح، التي تتحقق للطرفين، فالصديق القوي يجذب حوله الجميع، حيث إن التحالفات تتأثر بالمصالح وليس بطيب النيَّات فحسب، والوضع العالمي يضع فرصة كبيرة على طاولة الوطن العربي أجمع لإعادة التموضع في المكان الصحيح، ونحن اليوم أكثر قدرة على صياغة التحالف وفق مقتضيات الواقع.
يدرك الشركاء التاريخيون أهمية المنطقة، وهم أدرى بمآلات التخبُّط الجاري، لا سيما في هذا التوقيت، حيث تنساب المياه من بين أيديهم ويبتعد عنهم الأصدقاء، واحدًا تلو الآخر، ولا أرى أبدًا أن منطقتنا العربية، أو الشرق أوسطية، مقبلة على رسم تحالفات جديدة كما يُروّج البعض، لكن نحو إعادة شكل التحالفات القديمة مع الشركاء التاريخيين بتفاهمات جديدة أكثر واقعية وبراجماتية، والأهم دون إملاءات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة