القمة العالمية للحكومات تقدم قراءة في مستقبل الأمن الغذائي العالمي
القمة العالمية للحكومات تضع قضية الأمن الغذائي العالمي ضمن التحديات ذات الأولوية.
لم تتصور السيدة الأفريقية ونجاري وهي تنظر بخوف وحسرة إلى مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بمحاصيل متنوعة في قريتها والقرى المجاورة، وقد غمرتها مياه فيضانات في غير وقتها وأتلفتها، أن السيدة ريتا وأسرتها التي تسكن مدينة أوروبية هادئة، ستنظر بخوف وحسرة مشابهة إلى تلك الصناديق الفارغة في متجر الفاكهة والخضراوات القريب من منزلها، ولم تكن السيدة ونجاري تتصور أيضاً أن الأب محمود وأطفاله الثلاثة سيسيطر عليهم الإحساس بالخوف والحسرة، وهم يصطفون يومياً أمام المخبز، ولا يتمكنوا من الحصول على حصتهم المعتادة من الخبز.
يبدو أن ما حدث مع السيدة ونجاري والسيدة ريتا والأب محمود منذ سنوات كان صادماً للجميع، لكنها كانت صدمة أيقظت كثيرين ليدركوا أن أنظمتنا الغذائية مرتبطة ببعضها البعض، ودفع المهتمين في الحكومات، أفريقية كانت أم أوروبية أو عربية، وكذلك المنظمات الدولية والإقليمية، إلى إعادة النظر في منظومة الغذاء العالمي، والإقرار بالأهمية القصوى للتعاون والعمل معًا، وترسيخ مجموعة من المبادئ المهمة لدى كافة دول العالم، على رأسها أن أمننا الغذائي قضية عالمية مشتركة، وأن ما يحدث في أفريقيا لا يظل في أفريقيا، بل يمتد أثره إلى مناطق أخرى في شرق العالم وغربه، ويتوجب على الحكومات والمنظمات الانطلاق من هذه المبادئ، في تخطيطها لمستقبل الأجيال القادمة، وتطويرها لمنظومة محكمة للأمن الغذائي العالمي.
لذلك تحرص القمة العالمية للحكومات، وهي التجمع الحكومي الأكبر من نوعه عالمياً لتوحيد الجهود للتصدي للتحديات التنموية التي تواجهها المجتمعات الإنسانية، على وضع قضية الأمن الغذائي العالمي ضمن التحديات ذات الأولوية، التي تطرحها للمناقشة والدراسة أمام خيرة من عقول العالم وصناع القرارات والسياسات الحكومية. فأطلقت القمة العالمية للحكومات في دورتها السابعة واحداً من أهم التقارير العالمية التي لا تكتفي بمناقشة أبعاد قضية الأمن الغذائي، بل تقدم أفكارًا لحلول وتوصيات عملية، تتيح للحكومات والمجتمعات والأفراد العمل معاً والاستعداد لمستقبل أفضل للبشرية، جاء تقرير القمة العالمية للحكومات بالتعاون شركة الاستشارات العالمية أوليفر وايمان، بعنوان "الأمن الغذائي في القرن الحادي والعشرين: بناء منظومة غذائية لا تتأثر بالظروف المناخية".
يقول التقرير: "لكي ينعم العالم بالأمن الغذائي، فيجب على الدول والمدن مراقبة جميع جوانب سلسلة التوريد الغذائية، بدءاً من المزرعة وصولًا إلى مرحلة استهلاك الغذاء، سواءً أكان هذا الغذاء مستورداً أم منتجاً محلياً. وعلى الرغم من أن العديد من الدول ركزت بشكل مكثف على إنتاج الغذاء، فإنه من المهم التذكير بأنّه لا يُمكن التمتع بالأمن الغذائي دون وجود منشآت معالجة الأغذية، والبنية التحتية الضرورية، والخدمات اللوجستية، فضلًا عن قنوات التوزيع المناسبة، إذ إن الأمن الغذائي لا يقبل بوجود أي حلقات ضعيفة." ويوضح التقرير أن أنظمة العالم الغذائية لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض. "ونظراً للتسارع الكبير للتغير المناخي والأحوال الجوية التي تزداد حدة، فضلًا عن النمو السكاني، وزيادة أعداد سكان المدن، وشيخوخة السكان، وأنماط التغذية المتغيرة، وتناقص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة، فإن نظامنا الغذائي العالمي بحاجة؛ لأن يكون أكثر ليُصبح أكثر مرونة ومقاومة للمناخ".
ويتوقع تقرير "الأمن الغذائي في القرن الحادي والعشرين" أن الطلب المستقبلي على الغذاء سيتطلب إعادة صياغة نظامنا الغذائي العالمي بشكل كامل، وإعادة التفكير في كل ما يرتبط بمنظومة الغذاء، من تكنولوجيا الزراعة إلى نطاق الاستثمارات في قطاعي الزراعة والأغذية، فسيشهد العالم الموجة التالية من التكنولوجيا المقاومة للمناخ، والتي ستدفع نظامنا الغذائي العالمي قُدماً نحو القرن الحادي والعشرين.
يقدم التقرير 5 تكنولوجيات زراعية قادرة على التكيف مع المناخ؛ أولها: البيوت البلاستيكية عالية التكنولوجيا لتمكين الإنتاج في البيئات القاسية، تتراوح من الظروف الصحراوية الجافة إلى المناخات الباردة، وعلى مدار العام. "تُعد البيوت البلاستيكية تكنولوجيا ناضجة وتتمتع بسجل حافل في دول مثل هولندا أو الصين، تقدر القيمة الحالية للسوق بنحو 20 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 7% سنوياً".
ثاني هذه التكنولوجيات المقاومة للمناخ هي الزراعة الرأسية والتي يمكن أن تساعد على إنتاج غذاء يصل إلى 100 ضعف ما تُنتجه المزارع التقليدية لكل قدم مربع. بالإضافة إلى مزاياها في ترشيد استهلاك المياه بنسبة 95% مقارنة مع الزراعة التقليدية، وخلو المنتجات من المبيدات، ورغم ذلك فإن التقرير يشير إلى أن المزارع الرأسية لم تصبح منافسة بشكل كامل بعد نظراً لتكاليف الطاقة الكبيرة التي ترجع لاستخدام الأضواء الصناعية وأنظمة التحكم بدرجة الحرارة والرطوبة التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة.
ثالث هذه الحلول هي تربية الأحياء المائية في الأماكن المغلقة والمرتبطة بما يعرف بالاستزراع المائي في يومنا الحالي، والذي يلبي أكثر من نصف الطلب العالمي على الأسماك ويتوقع أن يتزايد بأكثر من %20 ليصل إلى 27 مليون طن بحلول عام 2030.
وتأتي اللحوم المستزرعة ضمن التكنولوجيات التي يقترحها التقرير، وتقوم هذه التكنولوجيا على فكرة تصنيع اللحوم عن طريق زراعة الخلايا الحيوانية في المختبرات، باستخدام أساليب هندسة الأنسجة. ويقول التقرير: "نظراً لانخفاض أثرها البيئي مقارنة بتكنولوجيا تربية الحيوانات التقليدية، فإن اللحوم المستزرعة لديها القدرة على إحداث ثورة في صناعة الأغذية. تتطلب العملية مساحة أقل من الأرض بنسبة تتراوح بين 95 – 90% مع انبعاثات غازات الدفيئة أقل بنحو 96%، واستهلاك مياه أقل بنحو 9%".
وخامس هذه التكنولوجيات المقاومة للمناخ، هي تكنولوجيا إنتاج الطحالب في الأماكن المغلقة. يقول التقرير: "أحد الحلول المطروحة يتمثل في استخدام الطحالب كمصدر للبروتين لتغذية الماشية؛ إذ تحتوي الطحالب على ما يصل إلى 70% من البروتين من كتلتها الجافة والأحماض الأمينية الأساسية وكميات كبيرة من المغذيات الدقيقة مثل الحديد، تقدر قيمة سوق الطحالب حالياً بنحو 4 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن ينمو سنوياً بنسبة 5%".
aXA6IDMuMTYuODIuMTgyIA== جزيرة ام اند امز