بالصور.. يحيى الطاهر عبد الله.. شاعر القصة المصرية

يحيى الطاهر عبد الله بات يعتبره الكثيرون "شاعر القصة المصرية".. تعرف على حياته وإبداعه في ذكرى ميلاده التي توافق 30 إبريل
لم يكن "كاتب القصة الشعبي" المصري يحيى الطاهر عبد الله يعلم أنّ تردّده على المقاهي الثقافية ليلقي قصائده في شتى أنحاء القاهرة، سيكون بداية الخير له، فالأديب الراحل يوسف إدريس كان حاضرًا في مقهى ريش الثقافي الشهير، وأعجب به وبما يلقيه للجمهور وبطريقة عرضه، ليقدّمه في مجلة (الكاتب) التي كان يكتب فيها.
كتب عبد الله على مدار شهور عدة مقالات وكتابات أدبية مميزة ليعجب بأسلوبه الأدبي البديع الكاتب الراحل عبد الفتاح الجمل، ويقدمه إلى الملحق الأدبي بجريدة المساء، ليكون ذلك الأمر بمثابة التّوهج وينتقل بعدها إلى الأوساط الثقافية والأدبية كواحد من أهم الكتاب الشباب المميزين في مصر.
ثلاثة وأربعون عامًا تقريبًا هو عمر "شاعر القصة القصيرة"، الذي عدّه النقاد المصريون "ظاهرة أدبية" مميزة، حيث كان يرى أن الكتابة هي الأسلوب القويم للتعبير عن حياة البسطاء في شتى ربوع مصر، معتبرًا أنّ كتابات الأدباء تعتبر إعادة بناء لعلاقة البشر بالحياة والمكان.
يعتبر عبد الله واحدًا من الذين أحدثوا نقلة كبيرة في القصة القصيرة، وأحد أهم كتاب جيله، بجانب أنه يعتبر صاحب تجربة خاصة وتأثير على كل من كتب القصة القصيرة من بعده، بخلاف ما امتاز به من حساسية كبيرة وخاصة نحو مناخ وبيئة الصعيد التي جاء منها -حسب وصف القاص والمترجم أحمد الخميسي-
ولد عبد الله بقرية الكرنك التابعة لمركز الأقصر في 30 أبريل عام ١٩٣٨ لوالد غرس فيه حب اللغة العربية، حيث كان يعمل شيخًا يقوم بالتدريس في إحدى مدارس القرية، ولأم ذهبت روحها إلى بارئها وهو في سن صغير، ليكون عبء تربيته وتنشئته على خالته التي تزوجها والده فيما بعد.
كتب عن قريته "أرى أن ما وقع على الوطن وقع عليها، قرية منسية منفية، كما أنا منفي ومنسي، أيضا هي قرية في مواجهة عالم عصري، إذن عندما أبتعد عن قريتي أسعى إليها في المدينة، وأبحث عن أهلي وأقربائي، وناسي الذين يعيشون معي، وأنا لا أحيا إلا في عالمها السفلي، فحين ألتقي بهم، نلتقي كصعايدة وكأبناء الكرنك ونحيا معًا".
في أواخر الخمسينيات، انتقل عبد الله إلى قنا والتقى بالشاعرين الكبيرين حينها عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل، وجمعته بهما صداقة مميزة دامت حتى رحل عن عالمنا، في التاسع من أبريل عام ١٩٨١ في حادث سيارة أليم على طريق القاهرة الواحات.
كوّن الثلاثة صداقة مميزة، ومثلثًا أدبيًا أثر في عالم الأدب، حيث سافر الأبنودي إلى القاهرة للحاق بالحركة الأدبية هناك وبقي يحيى في قنا لعامين قبل أن يسافر إلى صديقه ويقيمان معًا في إحدى شقق حي بولاق أبو العلا، ويأتي إليهما صديقهما الثالث الذي فضّل البقاء في الإسكندرية لسنوات طويلة تتخللها الزيارات الدائمة للشقة التي شهدت على تميز الثلاثي.
تعد "الطوق والأسورة" من أبرز أعماله الأدبية، حيث تحوّلت إلى فيلم درامي عام ١٩٨٧ من إخراج خيري بشارة ليعد الفيلم بعد ذلك واحدًا من أهم أفلام السينما المصرية المأخوذة عن عمل أدبي، ويشارك حينها في كتابة السيناريو صديقه عبد الرحمن الأبنودي.
من بين أعماله البارزة، "ثلاث شجيرات تثمر برتقالا"، و"الدف والصندوق" و"حكايات للأمير حتى ينام"، و"تصاوير من التراب"، و"أنا وهي وزهور العالم"، و"محبوب الشمس" التي تعد أول قصة قصيرة، و"جبل الشاي الأخضر" الذي كتبها في نفس العام.
وبعد رحيله بعامين أعدّت دار المستقبل العربي واحدة من أفضل مجموعاته القصصية التي لم يكتب لها النشر في حياته "الرقصة المباحة" ليعجب بها الجمهور، ويتهاتف عليها الجميع حينها، وتمت طباعتها أكثر من طبعة على مدار السنوات التالية. وترجمت أعماله إلى الإنجليزية وقام بترجمتها المستعرب الشهير دنيس جونسون ديفز وإلى الإيطالية والألمانية والبولندية.
رثاه صديقه المقرب الشاعر أمل دنقل بعد وفاته بـ"ليت أسماء تعرف أن أباها صعد، لم يمت، هل يموت الذي كان (يحيا) كأن الحياة أبد، وكأن الشراب نفد، وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد، عاش منتصبًا، بينما ينحني القلب يبحث عما فقد"، بينما قال صديقه الآخر الأبنودي، "مش دي نهايتك يا يحيى، يمكن تكون دي البداية".