قيد الخوف ينكسر.. يمنيون يتحدون جبروت الحوثي
ما عاد اليمنيون القاطنون في مناطق سيطرة الحوثيين بذلك الفزع من قبضة المليشيات الأمنية، إذ بدأ قيد الخوف ينكسر.
فبعدما كانوا يعيشون في خوف دائم، ويحجمون عن التعبير عن آرائهم حول الجرائم التي ترتكبها المليشيات، خشية الانتقام، بدأ هذا الوضع يتغير؛ إذ لم يعد المواطنون بذات القدر من الخوف، ويفصحون عن معارضتهم للحوثي، بطرق عدة؛ من بينها التظاهر العلني، وتوجيه الانتقادات الحادة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرجع الخبراء ذلك إلى أسباب عدة، من بينها تمادي المليشيات في ارتكاب العديد من الجرائم، مثل الاختطاف القسري، والاغتيالات التي لا تترك أثرا واضحا يشير إلى مرتكبيها، ونهب العقارات والمنازل السكنية.
السلوك الحوثي المستهجن في ارتكاب تلك الجرائم، دفع السكان في المدن الخاضعة لها للتعبير عن آرائهم علنا، في مؤشر يدل على مدى رفض السكان لممارسات المليشيات المدعومة من إيران، وخطوة نحو كسر قبضة الحوثي الأمنية.
شرارة "رقصة ثورية"
في مشهد نادر أدى النائب في البرلمان غير المعترف به في صنعاء، أحمد سيف حاشد، أواخر الشهر الماضي، رقصة تحدّ؛ احتفاء بالذكرى الـ 59 للثورة اليمنية، و التي أسقطت النظام الملكي عام 1962.
كانت رقصة النائب "حاشد" على وقع الأغاني الوطنية، تعبيرا عن ابتهاجه بالثورة، بعد أن حاولت مليشيات الحوثي منع الاحتفال بالذكرى، وطمس تاريخها في صنعاء المختطفة، واستبدالها بيوم النكبة، حين انقلبت في 21 سبتمبر 2014 على الحكومة الشرعية.
واعتبر كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي رقصة "حاشد"، رسالة تحدت السطوة الأمنية، وتعبيرا رمزيا اختزل بغض العامة والسياسيين للمليشيات المدعومة إيرانيا؛ في تصرف نادر يؤكد عن شجاعة النائب وعدم خشيته من رد انتقامي لمليشيات الحوثي.
ويرى الناشط اليمني لؤي سعيد لـ"العين الإخبارية" أن تصرف النائب الجريء في مدينة مسكونة بالخوف من ردة الفعل الحوثية، علامة مبكرة على بدء تغيير يشير إلى احتمال وقوع انتفاضة شاملة، خصوصا مع تفشي حالات العوز الاجتماعي، الناجم عن غياب فرص العمل، وامتناع المليشيات عن دفع مرتبات الجهاز الإداري للدولة، والموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها.
فخلال هذا العام -يصيف الخبير اليمني- بدأ كثير من الصحفين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، في المدن الخاضعة لسيطرة المليشيات، يوجهون اللوم لها، بل ينتقدون تصرفاتها السيئة، في سلوك يعبر عن مدى رفضهم لها، وهذا يعد بمثابة مواقف جريئة فى مدن مسكونة بالرعب من القتل أو الاعتقال.
ويرى الناشط اليمني أن الأمور ما تزال في بدايتها وأن مليشيات الحوثي ما تزال تهيمن على المشهد بأساليب قمعية؛ ضاربا المثل باعتقال المصور الفوتوجرافي عبدالرحمن الغابري، لمجرد أنه التقط صورة.
أما بالنسبة للناشط الإعلامي إسماعيل القاضي، فإنه يرى أن تعبير النائب حاشد عن ابتهاجه بعيد الثورة اليمنية من خلال الرقص، دون الخشية من الاغتيال، يعد موقفا متقدما يشير إلى تخلي الكثيرين عن عوامل الترهيب المحيطة بهم في صنعاء.
وعدّد القاضي لـ"العين الإخبارية"، حوادث اغتيالات كثيرة كانت ناجمة عن قيام الضحايا بالتعبير عن آرائهم علنا، غالبيتهم كانوا يطالبون بصرف المرتبات المتوقفة كما حدث للدكتور في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، محمد نعيم، الذي اغتيل بالرصاص في شارع تونس وسط العاصمة في أغسطس الماضي، بعد وقت قصير من مطالبته المليشيات بصرف المرتبات المتوقفة منذ أعوام.
القاضي يرى أيضا في جريمة إعدام 9 أبرياء بتهم غير حقيقية قبل أسابيع، على يد الحوثيّين، سلوكا إجراميا، عزز من شجاعة المواطنين في المدن الخاضعة لسيطرة المليشيات، معتبرا أن "ذلك كان بمثابة كسر طوق الترهيب الحوثي القائم على الاختطاف والاغتيالات لكل من يوجه اللوم لها".
شعلة الثورة
في مدن كثيرة أشعلت مجموعات منفصلة من الشباب مواقد شعلة الثورة اليمنية 26 سبتمبر/أيلول المنصرم، في محافظات عدة، ورددوا النشيد الوطني لليمن، احتفاء بالمناسبة التي تعيد إلى أذهانهم سنوات الاستقرار، ووجود الدولة اليمنية القوية، قبل أن تدمرها مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
ففي محافظتي ذمار وإب الواقعتين وسط البلاد توافد الشباب إلى ساحات حددت مسبقا للاحتفال، ورغم إرسال المليشيات أطقمها العسكرية، إلا أن ذلك لم يرهب الشبان الذي ألهمتهم ذكرى الثورة.
وعُدّ ذلك مؤشرا على أن المواطنين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي لم يعودوا يخشون سطوة المليشيات وأدواتها القمعية؛ إذ إن جميعهم اكتووا بنيران عملاء إيران، وتضرروا بشكل غير مسبوق منذ انقلاب المليشيات، والجميع فقدوا أقاربهم بعدما استدرجتهم الحركة، إلى معارك عبثية.
ويقول أحد المواطنين في محافظة المحويت لـ"العين الإخبارية"، مفضلا حجب اسمه لدواع أمنية: "لم يعد للخوف وجود لدى الأهالي، وكثير منهم يتمنون اقتراب قوات الجيش اليمني والمقاومة الوطنية من مناطقهم للالتحاق بها".
الجميع يتمنى الخلاص من مليشيات الحوثي، -يقول المواطن اليمني- مستدركا أن ذلك "لن يتم إلا بالقوة العسكرية، وهذا يتطلب تقدم الجيش الوطني إلى تخوم صنعاء، أو عمران الواقعة شمال العاصمة، لإعلان السكان انتفاضة واسعة ضد المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني".
وقفات رغم الترهيب
منذ أسابيع ينظم العشرات من المدنيين في العاصمة صنعاء وقفات اعتصام في ساحات عامة، للتنديد بتوجه مليشيات الحوثي إلى سرقة عقاراتهم ومنازلهم، التي يمتلكونها منذ أكثر من ثلاثين عاما.
فأكثر من 500 أسرة باتت مهددة بالطرد من منازلها، ولم تجد أمامهما لمنع الحوثيين سوى الاعتصام، عسى أن يردع المليشيات عن تهجيرهم من منازلهم في أحياء "سعوان"، "مذبح" ، "الـ50"، و”السنينة” لإحلال مستوطنين بدلا عنهم ينتمون للجماعة الإرهابية,
التحركات الشعبية التي تعد نادرة نظرا للقمع الحوثي بدأت في التزايد ضد "عملاء" إيران إذ كانت بمثابة الممر الوحيد للتعبير عن رفضهم للتوجه الحوثي بمصادرة أملاكهم، رغم ما يتعرضون له من عمليات تهديد بالقتل والاعتقال من قبل مليشيات الحوثي لإثنائهم عن ذلك.
كما لم تمنع أجواء الترهيب التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق السكان في مناطق سيطرتها، أو تخيفهم من تنظيم تلك الاعتصامات، والتي كانت بمثابة تحطيم للطوق الأمني المغلف بالوحشية الذي رسخه الحوثيون في الأذهان بجرائمهم المتكررة.
aXA6IDE4LjExOS4xMzMuMTM4IA== جزيرة ام اند امز