بالتجويع والحرمان.. الحوثي يغتال إنسانية نازحي "ضروان"
أكثر من 300 أسرة نزحت من محيط صنعاء، ليجدوا أنفسهم في مواجهة شبح الموت من جديد، لكن عبر بوابة الجوع والمرض هذه المرة.
من نار البارود إلى جحيم الجوع والحرمان.. في هذا الخط اليائس، تتوقف حركة الحياة، وتتلخص يوميات النازحين في مخيم "ضروان" على بعد 28 كلم شمال العاصمة اليمنية صنعاء، حيث المكان الخاضع لسيطرة الحوثيين الذين كانوا سببا في تهجيرهم.
أكثر من 300 أسرة نزحت من محيط صنعاء، جراء الحرب الدائرة في البلاد، فرارا من جحيم الاشتباكات والموت الذي فرضته آلة الحرب الحوثية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة شبح الموت من جديد، لكن عبر بوابة الجوع والمرض هذه المرة.
مخيم.. مع وقف المساعدات
عن بُعد، يتراءى المخيم وكأنه مزرعة مهجورة تتناثر فيها الخيام المتهالكة، وتتجمع في أركانها بعض القمامة، قبل أن تكسر المشهد صورة سيدة تبدو في السبعين من عمرها رغم أنها لم تتجاوز الأربعين، وهي تفترش بساطا على الأرض أمام خيمتها، أو أصوات الأطفال تطلب طعاما شُحّ منذ زمن.
نظرات تائهة، وملامح حزينة صبغتها الشمس الحارقة، ولسعها البرد القارص، فباتت تروي ـ دون حاجة للكلمات ـ يوميات أصحابها المثقلة بآلام الجوع والمرض.
المخيم تأسس في 2015، عندما بدأ نازحون من صعدة وحجة بالتجمع فيه، هربا من نيران الحوثي الطائشة، غير أن وقوعه تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران، جعل أنصارها وبضوء أخضر منها، يمنعون عنه المساعدات الإنسانية، بزعم عدم حصولهم على حصة مقابل إيجار الأرض التي يقع عليها.
وبما أن أهالي المنطقة من أنصار الحوثي، فقد حكموا ومليشياتهم على سكان المخيم بالإعدام جوعا، إضافة إلى المشاكل كالصحية من أمراض جلدية وغيرها تستهدف الأطفال بشكل خاص، حيث يفتقد المكان لأدنى المقومات الإنسانية.
ووفق ما عاينه مراسل بوابة العين الإخبارية، فقد أصيب معظم أطفال المخيم بمرض الجرب الذي بدأ بالتمدد إلى المناطق القريبة، مهددا بكارثة صحية إنسانية، في بلد كبلته الحرب، وتفشي الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا والخناق أو الدفتيريا.
"الحرب شردتنا والجوع يقتلنا"
في ذلك المخيم العالق بين الموت والحياة، لم يكن يعني وجود وسيلة إعلامية الكثير بالنسبة لسكان تنضح علامات الوهن من جميع تفاصيلهم.. لا شيء يعنيهم سوى بذل آخر محاولاتهم في سبيل أطفالهم.
وحتى هؤلاء الأطفال، بدا من الواضح أيضا أن الحرمان والجوع قتلا بداخلهم حيوية الطفولة المعتادة، وكبلتهم بنوع من النضج المبكر الذي جعل لنظراتهم وهي تواجه مراسل بوابة العين الإخبارية، ثقلا يختزل ما شهدته سنواتهم القليلة على معاناة بعمر الإنسانية جمعاء.
(ش)، أحد سكان المخيم والذي يفضل عدم ذكر اسمه خوفا من ملاحقة الحوثيين له، لم ينتظر سؤال المراسل ليندفع قائلا: "نحن نعاني في هذا المخيم من البرد والجوع والعطش، وحتى المنظمات الإنسانية غير مهتمة بنا".
وغير بعيد منه، وقفت سيدة تقول: "توفي زوجي، وعندي 5 أطفال أعجز عن توفير القوت لهم، أولادي الصغار يذهبون للتسول كل صباح لأنهم لا يدرسون".
وبحرقة تتابع: "أصبحنا منسيين، وحتى أصحاب المنطقة (مالكي الأرض) يضايقوننا يوميا، والسلطة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لا تحرك ساكنا".
وفي أحد أركان المخيم، يتجمع الأطفال الصغار ويصطفون طلبا لصورة توثق لحظاتهم، فيما ينتشر عدد آخر منهم، حفاة الأقدام، بحثا عن مكان دافئ للعب، بينهم طفلة لم تتجاوز عامها الثاني، فضلت الالتصاق بكلب طلبا لدفء لم تجده لدى الناس.
طفل صغير، يدعى (خ)، بدا وكأنه تجاوز سنواته القليلة ليدخل عتبة نضوج مبكرا منحه ملامح أكبر بكثير من عمره البيولوجي.
يقول "أنا لا أدرس، لأنني أذهب كل يوم إلى السوق لأحصل على قوت أمي وإخوتي، فأبي عاطل عن العمل".
أما (م)، وهو من سكان المخيم أيضا، فيقول: "نحن فقراء ولا نجد ما نأكل، وحتى المساعدات لا تصلنا كاملة، فهناك من يقوم بأخذ بعضها بزعم تسليمها لنازحين آخرين في المنازل، هناك من يطلب من المنظمات إشراكه بالحصة المخصصة للتقسيم من المساعدات، ما يضطر تلك المنظمات للرحيل وحرمان النازحين من المساعدات".
فاقة واحتياج يدفعان نحو 90% من الأسر النازحة بالمخيم لإرسال أطفالهم إلى الأسواق والأماكن التي يتجمع فيها الناس من أجل التسول، فيما يرسل البعض الآخر إلى المحلات التجارية والمطاعم أملا في الحصول على بعض الأكل.
مأساة إنسانية تقف وراءها توليفة من الأسباب المختلفة، غير أن الثابت هو أن عدم حصول النازحين بمخيم "ضروان" على المساعدات اللازمة، يجعل منه بؤرة لتفشي الأمراض، ما يشي بشبح كارثة إنسانية تطال تداعياتها البلاد بأكملها.
سياسة إجرامية حوثية بحق اليمنيين، لم تتوقف عند مخيم "ضروان" فقط، بل طالت مناطق كثيرة داخل البلاد.
وسبق أن اتهمت الحكومة اليمنية، المليشيات الحوثية بمنع إيصال المساعدات للمناطق التي تتفاقم معاناة السكان فيها جراء الحرب التي فرضتها جماعة "أنصار الله".
aXA6IDE4LjIxOS4yMzEuMTk3IA==
جزيرة ام اند امز