من جزيرة تسمانيا إلى منصة عالمية.. قصة «زاك داف» مع JigSpace

هل تذكر آخر مرة حاولت فيها شرح أمرٍ مُربك ومُعقّد لشخصٍ ما؟ ربما رسمت على ورقة، أو استخدمت يديك للشرح، أو تمنيت لو كان بإمكانك ببساطة أن تُريه الشيء بدلاً من إخباره عنه.
شعر زاك داف بهذا الإحباط أيضًا، ولكن على عكسنا، قام بشيءٍ حياله، واليوم، يمتلك شركة تُدعى JigSpace، تضم أكثر من 5 ملايين مستخدم حول العالم يُمكنهم إنشاء عروض تقديمية ثلاثية الأبعاد، لتساعد على نقل رؤية المبدعين حقيقة على أرض الواقع.
ومن جزيرة صغيرة إلى شهرة عالمية، تُظهر لنا قصة داف ما يحدث عندما يُقرر شخصٌ ما إنشاء شيءٍ ما.
رحلته لا تقتصر على كيفية تأسيسه شركةً كبيرة، بل تتعلق أكثر بكيفية تعليمه ملايين الناس التعلّم والإبداع بشكل أفضل من خلال مشاركة المعرفة.
جذور بسيطة وأحلام عالمية
قد لا تبدو جزيرة تسمانيا مكانًا مُحتملًا لبدء ثورة تكنولوجية، ولكن بالنسبة لزاك داف، كانت مثالية.
ونشأ داف في هذه الجزيرة الأسترالية، وطوّر ما يُطلق عليه السكان المحليون "إبداع الجزيرة"، أي القدرة على صنع شيء من لا شيء، إذ لا يُمكنك ببساطة الذهاب إلى متجر هناك لشراء ما تحتاجه.
وبدأ فضوله تجاه التصميم ثلاثي الأبعاد مبكرًا، فبينما كان الأطفال الآخرون يلعبون، كان داف مُنغمسًا في حاسوبه، يتعلم تصميم الألعاب والفنون الرقمية.
وكانت مساحة التكنولوجيا الصغيرة في تسمانيا تُجبره على أن يكون واسع الحيلة ويُعلّم نفسه بنفسه.
كما منحت عزلة الجزيرة داف ميزة فريدة في التواصل، فعندما تعيش بعيدًا عن البر الرئيسي، تتعلم تلقائيًا أن تجعل كل محادثة تستحق العناء.
وعرف داف بكونه بارعًا جدًا في شرح الأمور المعقدة بسهولة، لأنك لا تعرف متى ستلتقي بالشخص مرة أخرى لتوضيح سوء الفهم.
وقد أثبتت هذه المهارات فائدتها الكبيرة عندما بدأ يفكر في مساعدة الناس على إيصال أفكارهم المعقدة.
ودرس داف تصميم الألعاب في أستراليا، ثم عمل في صناعة الألعاب، ثم درّس الفن الرقمي ودمجه بتصميم الألعاب أيضًا. ك
وان يقف أمام الطلاب، محاولًا شرح مفاهيم ثلاثية الأبعاد باستخدام شرائح باوربوينت مسطحة.
وفي أحد الأيام، أدرك مدى محدودية الأدوات التقليدية في الواقع، ويتذكر داف في مقابلة أجريت معه عام ٢٠٢٢ بقوله، "ظللت أفكر: لماذا أُريهم صورةً لشيءٍ ما بينما أستطيع أن أريهم الشيء نفسه؟".
عندما يصطدم التدريس بحائط صد
يبدأ كل اختراع عظيم بانزعاج شديد من طريقة عمل الأشياء من حوله. ينطبق الأمر نفسه على داف، الذي جاءته هذه اللحظة عندما كان في فصل دراسي مليء بالطلاب المشوشين الذين يحدقون في شاشة مسطحة حول مفاهيم ثلاثية الأبعاد.
وكان يبذل قصارى جهده لتعليمهم الفنون الرقمية وتصميم الألعاب، لكن أدواته لم تكن تعمل كما أراد، مما جعل التدريس والشرح صعبًا للغاية.
وجاءت نقطة التحول خلال إحدى حصص النمذجة ثلاثية الأبعاد، وكان داف يتصفح شريحة تلو الأخرى، محاولًا شرح كيفية عمل الأشياء في الفضاء ثلاثي الأبعاد باستخدام صور ثنائية الأبعاد.
وكان طلابه تائهين تمامًا ولم يفهموا شيئًا، ثم رفعت إحدى الطالبات يدها أخيرًا وسألته: "هل يمكنك أن توضح لنا ما تقصده؟"، وهذا السؤال البسيط غيّر كل شيء.
وفي تلك الليلة، بعد انتهاء التدريس، عاد داف إلى منزله وهو يفكر في الواقع الافتراضي الذي بدأ يتصدر عناوين الصحف عام ٢٠١٥.
ثم اتصل بصديقه نوما بيرترون، وتحدثا عن إنشاء فصل دراسي للواقع الافتراضي حيث يمكن للطلاب التعلم معًا عن بُعد.
وبدا الأمر خياليًا للغاية، حيث يمكن للطلاب من جميع أنحاء العالم الجلوس والتعلم.
ولكن عندما بدأوا العمل، اكتشفوا شيئًا لم يتحدث عنه أحد.
وكان إنشاء محتوى الواقع الافتراضي صعبًا للغاية، كان البرنامج مكلفًا، ومعقد الفهم، ومُصممًا لفنانين ثلاثي الأبعاد محترفين وذوي خبرة، وليس للطلاب والمعلمين على الإطلاق.
وقال داف خلال مؤتمر تقني في ملبورن، "ظللنا نتساءل: كيف يُفترض بمعلم تاريخ أن ينشئ كولوسيوم روماني افتراضي؟".
وعندها أدركا أنهما يحلان المشكلة الخطأ، لم تكن المشكلة في مكان مشاهدة المحتوى ثلاثي الأبعاد، بل في كيفية إنشائه في المقام الأول.
وغيّرا الفكرة تمامًا، وانتقلا من فصل دراسي للواقع الافتراضي إلى ابتكار وتخطيط شيء مختلف.
حيث بدأ العمل على أداة تسمح لأي شخص بإنشاء عروض تقديمية ثلاثية الأبعاد، حتى لو لم يكن يعرف أي شيء عن برامج ثلاثية الأبعاد.
من أداة للصف الدراسي إلى أداة مفضلة للشركات
وكانت بدايات JigSpace كأي شركة ناشئة أخرى - الكثير من القهوة، والسهر، وخطط فاشلة، وتغييرات مستمرة.
لكن داف كان يتمتع بميزة؛ فقد كان يفهم مستخدميه لأنه كان أيضًا واحدًا منهم، وكان يعرف ما يُشعر المعلمين بالإحباط لأنه كان يعمل في هذا المجال من قبل.
وأُنشئت النسخة الأولى من JigSpace، وكانت بسيطة لكنها فعّالة، ومن خلالها، كان بإمكان المستخدمين استيراد نماذج ثلاثية الأبعاد وتفكيكها لعرض كيفية عمل الأشياء أو كيفية صنعها.
وكان بإمكان مُعلّم الأحياء أن يُظهر كيف يضخّ قلب الإنسان الدم من خلال تحريك كل جزء من أجزاء القلب، والأفضل من ذلك كله، أن الطلاب أحبّوا JigSpace، لأنهم استطاعوا أخيرًا فهم المفاهيم بسهولة.
وبعد فترة، انتشر الخبر عبر شبكات التعليم، وبدأ المعلمون بمشاركة تجاربهم وإبداعاتهم عبر الإنترنت، وفجأة، أصبح لدى JigSpace العديد من المستخدمين من دول مختلفة.
ولم تُسوّق المنصة للشركات في مراحلها الأولى، لكن الشركات تواصلت معها بنفسها عندما بدأ موظفوها باستخدامها للعروض التقديمية والتدريبات الداخلية.
وفاجأ اهتمام الشركات داف، حيث قال في مقابلة أجريت معه عام ٢٠٢١، "أنشأنا هذا النظام للفصول الدراسية، ولكن بعد ذلك سألت باناسونيك عما إذا كان بإمكانهم استخدامه لتدريب الفنيين على المنتجات الجديدة".
وفي ذلك الوقت، كانت شركات كبرى مثل بيبسيكو وألفا روميو تستخدم منصة JigSpace في كل شيء، من التدريب إلى إطلاق المنتجات.
واشترى عملاء الشركات فرصًا جديدة من الشركة، كانوا بحاجة إلى ميزات مثل ضوابط الأمان والتحليلات وغيرها، كان على داف الموازنة بين احتياجات تبسيط المنصة للمعلمين وإضافة طلبات الشركات الأكثر تعقيدا.
وتوصل داف إلى حل، حيث ظلت منصة JigSpace مجانية للمستخدمين الأفراد، وقدمت ميزات مميزة للشركات الكبرى.
وساعدت هذه الفكرة منصة JigSpace على النمو لتشمل أكثر من ٥ ملايين مستخدم في ٨٠ دولة حول العالم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjI4IA== جزيرة ام اند امز