ثلاثون لوحة هي مجموع الأعمال الفنية التي يستضيفها متحف الشارقة للفنون.
ثلاثون لوحة هي مجموع الأعمال الفنية التي يستضيفها متحف الشارقة للفنون في معرض «البعد الإنساني في رسوم جبرانيّة» بالتعاون مع "لجنة جبران الوطنية". ثلاثون لوحة تمثل مراحل مختلفة من نتاجه الفني، إضافة إلى عدد من المخطوطات والرسائل ليصل عدد الأعمال المعروضة إلى خمسين، مشكلة بذلك حصيلة المعرض الذي يستمر حتى العاشر من ديسمبر المقبل.
ورغم أنك قد تكون ملازمًا لإبداع جبران المكتوب في مرحلة عمرية سابقة، إلا إن الحنين لرومانسية مفقودة قد يقودك إلى الحي التراثي في الشارقة. لكن وفيما تلوم ذاكرتك على النسيان وأنت تجوب المعرض، يحررك جبران بتسامحه المعهود ويعطيك حجة ترفع عنك عبء النسيان، بقوله المرسوم على الحائط الأخير في المعرض «النسيان شكل من أشكال الحرية».
يعيدك المعرض بكتاباته الشفيفة التي اختارتها "لجنة جبران الوطنية" إلى حيث ولد، إلى بشري. وتختلط رائحة الجبل وقت الفجر، مع صرخات جبران وقصصه عن ظلم الإنسان للإنسان، مع نسمات الموسيقى الرقيقة التي تهب من القاعة الأخيرة التي يعرض فيها الفيلم الوثائقي (موطن قلبي، 25 دقيقة) الذي أنجزه ميلاد طوق عام 2009 تحية لجبران بمناسبة اليوبيل الــ 125 لولادته.
المعرض يبدأ بالحب. الحب الذي عاش بين جبران وملهمته ماري هاسكل التي كانت بمثابة مؤرخته الفنية، من خلال لوحة (تعود للعام 1919) تمثل تصميماً لخاتم مدرسة هاسكل الفنية "وهو عبارة عن يد مفتوحة تمسك وردة، او بالأحرى وردة تنبت من يد مفتوحة، إن هذه الفكرة تعجبني ولو تم تطبيقها بشكل صحيح فسوف نصنع خاتماً جميلاً (...) بوركت يدك التي تنبت عليها الزهور"، وهنا يبدو جلياً قدر العرفان الذي يكنه جبران لهاسكل، وهو الأمر الذي يتخذه المعرض أساساً من خلال وجودها في كافة جنبات رواق المعرض، سواء من خلال الكتابات التي نقلتها على يومياتها عن جبران، أو اقتباس رسائلها مع جبران، وهو ما يرافق الزائر في كل خطوة تتعرف فيها إلى مراحل تطور رسومات الفنان بين الفحم على الورق والقماش واللوحات المائية والزيتية.
إلا أن مكانة بارزة يحفظها المعرض لمي زيادة التي صارت مراسلاتها مع جبران بمثابة دليل لحب الصوفي في العصر الحديث وكتباً يعود لها العشاق، إذ تشاهد اللوحة الأصلية لبورتريه مي زيادة التي لم يلتقها جبران في حياته البتة، فيما يمكنك الاطلاع على بطاقات بريدية ثلاث تبادلها جبران مع مي (هو في نيويورك وهي في القاهرة)، ورغم توثيق هذه الرسائل في كتب إلا أن لرسومات الحروف التي خطتها أنامل الكاتبين ميزة تعيدك بحنين إلى وقت مضى قوامه القلم الحبر الأزرق، والبطاقات البريدية، والرضوخ لسلطة البريد الذي يتحكم في مشاعر العاشقين.
المكانة البارزة الأخرى تعود بالطبع إلى «النبي» الكتاب الأبرز لجبران (صدر في العام 1923) حيث يعترف في رسالة إلى مي مؤرخة في العام 1919 أنه كان يريد كتابة هذا الكتاب منذ "ألف سنة، ولكنني لم أستطع كتابة فصوله على الورق حتى نهاية العام الماضي. ماذا يمكنني القول عن كتاب النبي؟. هو أعاد ولادتي وتعميدي الأول، والفكرة الوحيدة بذهني والتي ستجعلني أقف تحت ضياء الشمس، لأن هذا النبي، قد كتبني، قبل ان أبدأ كتابته وكوّنني قبل أن أبدأ تكوينه، وقد وضعني في مسيرة سبعة آلاف فرسخ قبل أن يظهر أمامي ليملي عليّ رغباته وميوله»، إلا أن الكتاب لم ير النور حتى العام 1923، ويبرر الأمر بأنه لم يعرض كتابه على الناشر لأنه كان يريد أن يتأكد "بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه".
إلا أن حجر أساس المعرض كان الفن وتطورات عمله الفني، ويمثل انتقاله إلى باريس مرحلة مهمة في مسيرته، لأن كل المدارس الفنية التي ارتادها لم تنجح في جعله طالباً يمكن ارضاء نزعته الرومانسية، حيث تساءل جبران "ما النفع من تقليد الطبيعة في حين انها في الأصل مفتوحة ومتاحة لكل من يرى ويسمع، فالأعمال الفنية هي لفهم الطبيعة وإظهار معانيها لأولئك الغير قادرين على فهمها (...) ومهمة الفن هي إظهار الغير مألوف من ما هو مألوف جداً"، وانعكست حساسيته تلك على آرائه التي دونتها ماري هاسكل وتقرأ في صفحة من يومياتها "كان ليوناردو أروع شخصية في العالم. ويعتقد خليل (...) أن مايكل آنجلو كان رساماً بارعاً –فقد رسم سوبرمان. ليوناردو كان يرسم الذهن، فكان يريد أن يرسم ما لم يستطع فهمه الآخرون".
الشارقة التي تستضيف المعرض تمثل بحسب رئيس لجنة جبران الوطنية الدكتور طارق شدياق "مركزاً ثقافياً بالغ الأهمية، لما تتمتع به من تراث غني، ولكونها وجهة رئيسة تستضيف أهم المعارض الفنية التقليدية والمعاصرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم على حد سواء"، فيما قالت مدير عام إدارة متاحف الشارقة، منال عطايا "نحن فخورون باستضافة هذا المعرض الرائع، الذي يتيح للزوار فرصة استثنائية، للتعرف على جانب فني مهم لأحد أهم الفنانين والمفكرين في العالم العربي".
aXA6IDMuMTYuNDcuODkg جزيرة ام اند امز