كيف حدث هذا الارتداد العربي عما كان يوصف بالمنجز الحداثي؟ فمن يرقب مسارات ومآلات الأوضاع في البلدان العربية
كيف حدث هذا الارتداد العربي عما كان يوصف بالمنجز الحداثي؟ فمن يرقب مسارات ومآلات الأوضاع في البلدان العربية، هل بوسعه أن يصدق أن هذه البلدان شهدت مشاريع تحديثية على قدر كبير من الأهمية، لكنها سرعان ما توقفت؟
يمكن لنا تذكر مشروع محمد علي باشا في مصر، الذي لأهميته بعثت اليابان يومها وفداً من خيرة رجالها لمعاينته عن قرب بغية الاستفادة منه، صحيح أنه ليس بفضل هذه المعاينة بلغت اليابان ما بلغته اليوم، ولكن المؤكد أنه كان أحد المشاريع الملهمة لها، ولنقارن بين وضعها اليوم وأوضاعنا نحن العرب للتفكر والعظة.
وفي التاريخ العربي الحديث كانت هناك الفترة القصيرة التي يطلق عليها غسان سلامة وصف «البرهة الليبرالية» في نهايات عهد الأنظمة الملكية في مصر والعراق، التي نشأت نشوء الأحزاب السياسية والمنابر الصحفية ومحاكاة النموذج الأوروبي في تخطيط المدن وفي بناء المسارح وتشجيع الفنون، ولأنها «برهة» فهي لم تمكث طويلاً.
ولم تكن التجربة الناصرية، رغم النقص البيّن في الديمقراطية السياسية الذي صاحبها، بأقل أهمية في مجال التحديث المجتمعي، حيث أطلقت حملة واسعة من تعميم التعليم والخدمات الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية، والتصنيع الواسع ما أدى إلى نشوء طبقة عاملة مرتبطة بوسائل الإنتاج الحديثة وطبقة وسطى مثقفة نشطة كانت حاملاً للنهضة الثقافية والفنية التي شهدها المجتمع.
ويمكن الإشارة هنا إلى تجارب تحديثية أخرى في المغرب العربي، كتجربة بناء الدولة الوطنية الحديثة في الجزائر على يد أحمد بن بيلا أولاً وهواري بومدين خاصة كونه حكمها الفترة الأطول، وتجربة التحديث التونسي بزعامة الحبيب بورقيبة.
تجارب التحديث المهمة هذه سرعان ما جمدت عند نقطة بعينها، والتوقف في حساب الزمن هو نكوص للوراء، كون الزمن يمضي قدماً نحو المستقبل، ومن يقف في مكانه سيجد نفسه حتماً قد تراجع. هذا يصح على الأفراد كما يصح على الشعوب والأمم.
قد نحار في تحديد أسباب هذا التوقف، ثم النكوص. أيكون من فعل فاعل داخلي أو خارجي، أو لنقص في ديناميات تلك المشاريع لم يسمح لها بالمضي أبعد، أو أنه نتيجة تضافر العاملين، وهذا ما نرجحه على كل حال؟
التاريخ يظهر أن الغرب تآمر على مشروعي محمد علي باشا وجمال عبد الناصر، ولكن لماذا لم يكن بوسع المشروعين الصمود في وجه ذاك؟ أنجد بعض الإجابة في التفريق الذي أقامه محمد أركون بين مفهومي الحداثة والتحديث، لنخلص إلى أن ما شهدناه لم يكن أكثر من مشاريع تحديثية محدودة، فيما الحداثة هي حال من حرية العقل والإرادة والأفق، وهو ما لم نبلغه، فلم يعد الأمر استعارة لقشرة الحداثة، ولا إمساكاً بجوهرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة