كريم مروة في القاهرة: إذا تعافت مصر تعافينا جميعًا
توقيع ومناقشة كتابه الجديد "الرواد اللبنانيون في مصرـ في الصحافة والفكر والفن "
استضاف المركز الدولي للكتاب بالقاهرة، الكاتب اللبناني الكبير كريم مروة لمناقشة كتابه الجديد "الرواد اللبنانيون في مصر".
في أمسية ثقافية قلّما يجتمع فيها هذا الحشد من كبار الكتاب والمثقفين والسياسيين المصريين والعرب، احتفل أمس (الأربعاء) الكاتب والسياسي اللبناني الكبير كريم مروة بتوقيع ومناقشة كتابه الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان «الرواد اللبنانيون في مصر - في الصحافة والفكر والأدب والفن».
شارك في الندوة وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، والسفير اللبناني في القاهرة المؤرّخ الدكتور خالد زيادة، والسياسي المخضرم رفعت السعيد، والدبلوماسي والسفير السابق الدكتور مصطفى الفقي، وأدارها الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة. وشهدت الندوة حضورا مكثفا لوجوه ثقافية وفكرية بارزة، وحضورا إعلاميا وصحفيا كبيرا أيضا، منهم الباحث والمحلل السياسي المعروف نبيل عبد الفتاح، والناشط السياسي المخضرم جورج إسحاق، ورئيس هيئة الكتاب الدكتور هيثم الحاج علي، ونائبه الدكتور محمود الضبع، وآخرون.
استهل الدكتور أنور مغيث اللقاء بإلقاء الضوء على الكتاب الذي يوثّق بالتفصيل أبرز الأسماء اللبنانية التي هاجرت إلى مصر واستقرت فيها، وأصبحت جزءًا من النسيج المصري، وأسهمت في إحداث نهضة ثقافية وأدبية وفكرية غير مسبوقة على كل الأصعدة، وقال إن الكتاب يحكي فترة تاريخية سمحت بالتقاء الشعبين في وقت مبكر ليغزلا معًا مسار النهضة العربية، وقد شعر كريم مروة بأن إسهامات اللبنانيين فى مصر "مشتتة"، وأنها في حاجة إلى جمع وتوثيق، فاهتم بأن يقوم بعملية مسح في مجالات مختلفة لنجد في الكتاب أكبر تجميع للرواد اللبنانيين في حياتنا الحديثة والمعاصرة، ويتحدث عن كوكبة رائعة منهم احتضنتهم مصر خلال قرن من الزمان وقدمت لهم كل ما كانوا بحاجة إليه لإنجاز إبداعاتهم في ميدان الصحافة والفكر والأدب والفن، كل ذلك مع الاستشهاد بأقوال بعض هؤلاء الرواد، وكذلك بما كتب عن بعضهم بأقلام معاصريهم وبأقلام كتاب ونقاد من الزمن الجديد.
وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، ذكر في كلمته أن كتاب مروة يأتي ليوثق مرحلة من مراحل الازدهار والتاريخ الثقافي النابض، خصوصا في ما تناوله عن الرواد في الصحافة والفكر والأدب، ومنهم سليم وبشارة تقلا، ويعقوب صروف، وجورجي زيدان، وفاطمة اليوسف، وأمين الحداد، وغيرهم من رواد الصحف والنشر في دوريات العصر المختلفة مثل "الأهرام" و"روزاليوسف".
النمنم أوضح أن الكتاب يعيد تذكيرنا بمرحلة عريقة كان العقل المصري يتقبل فيها أفكار الجميع بلا غضاضة دون طعن في وطنية أو دين أو خلق، وإذا كانت الثقافة فعلا يقوم على الحرية والتسامح فإنها أيضا تقوم على التعاون العربي، وفي هذه الفترة كان الانتقال سهلا وميسورا بين لبنان ومصر عن طريق البر أو بالبواخر، وقد أضاف اللبنانيون إلينا في الثقافة والفنون والآداب والتجارة والسياحة وفي مختلف المجالات.
وجاءت كلمة السفير اللبناني الدكتور خالد زيادة، لتلقي ضوءا كاشفا على السياق التاريخي الذي تناول فيه مؤلف الكتاب موضوعه، فتحدث زيادة عن الأسباب التي أدت باللبنانيين والشوام عمومًا إلى الهجرة والاستقرار في مصر وغيرها من البلدان في أوروبا وأمريكا (الشمالية والجنوبية)، وطرح تساؤلات حول: لماذا تجمع هذا الحشد من رواد الأدب والفكر والثقافة والفن والصحافة في مصر تحديدا وليس أي مكان آخر؟ كما طرح تساؤلا آخر حول: الإسهامات التي قدمها اللبنانيون خصوصًا في مجال تطوير اللغة العربية والانتقال بها من لغة مستوى اللغة التراثية العتيقة المثقلة بالاستشهادات الشعرية إلى مستويات أرحب وأكثر تحررا ومرونة تخلت فيها عن قيود السجع والألفاظ الغريبة؟
بينما قال المؤرخ والمفكر اليساري رفعت السعيد إن اللبنانيين جاؤوا إلى مصر بعدة دوافع منها الاضطهاد العثماني، الذي دفع بآلاف اللبنانيين إلى الخروج والهجرة، واستقر أغلبهم في مصر، وكانت شرائحهم المثقفة قد تعلمت تعليمًا ممتازًا وعميقًا فلعبوا أدوارا حاسمة خصوصًا في الفكر السياسي، ومنهم شبلي شميل الذي أثّر تأثيرا كبيرا في الحياة السياسية المصرية، وهو الذي جاء إليها جاء هاربًا من الاضطهاد التركي.
وأضاف السعيد أن القسم الثاني من الكتاب الذي يتحدث فيه كريم مروة عن الرواد في الفكر والأدب أمثال: شبلي شميل، وفرح أنطون، وإبراهيم اليازجى، ومي زيادة، ولبيبة الهاشم.. وآخرين، وكذلك القسم الثالث حول الرواد في الفكر الاشتراكي مثل: نقولا الحداد، ورفيق جبور، وأنطون مارون، وفؤاد الشمالي، هما في نظره من أهم أقسام الكتاب بحكم الاهتمام والتخصص والمتابعة.
وعن علاقته بكريم مروة، قال السعيد "إنه صديقى العزيز المشاكس ودائما ما نتعامل معا بمودة قديمة جدا وباقية وهو باحث مدقق وكتب عن كل اللبنانيين فى القاهرة فى الفن والأدب والسياسة والصحافة، وسيظل له الفضل الكبير في البحث في هذا الموضوع وقد قدم شيئا جميلا في هذا الكتاب".
أما الدبلوماسي والسفير السابق الدكتور مصطفى الفقي، فقد أكد أنه، تدريجيًّا، ومثلما فعلتْ مع كل الوافدين، قامت مصر بتمصير هؤلاء المهاجرين حتى أصبحت الأجيال الثالث والرابع منهم من المصريين تماما كما هو الحال مع أسرة "الرافعي" القادمة من طرابلس ومنهم المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، والأديب مصطفى صادق الرافعي، وأسرة "شلهوب" ومنهم عمر الشريف، وأسرة شاهين (ومنها يوسف شاهين)، وأسرة "صيدناوي" الشهيرة أصحاب المتاجر المعروفة، وأسرة السيدة فاطمة اليوسف (ابنها الروائي والصحفي إحسان عبد القدوس)، وهناك مَن وُلد وعاش في مصر ثم عاد إلى لبنان مثل بيير الجميل الذي وُلد وعاش في مدينة المنصورة عام 1905، ثم عاد إلى لبنان ليؤسس حزب "الكتائب"، وولداه بشير وأمين كانا من رؤساء لبنان.
الفقي أوضح أن مصر الكوزموبوليتانية العربية استوعبت كل المبدعين والتجار والصحفيين في أزمنة النهضة، واكتسبت قوتها من هذا التنوع الرائع، فالعلاقات الوثيقة التي ربطت بين مصر والتيار الفكري اللبناني تؤكد رحابة وسعة صدر المصريين الذين لم يكن يوجد لديهم أي تعصب لا في الفنون ولا في الآداب ولا على أي أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.
وفي الختام، تحدث صاحب الكتاب كريم مروة، وروى جانبًا من ذكرياته في مصر منذ أن جاءها زائرا للمرة الأولى عام 1954، ومن حينها لم ينقطع عن زيارتها ولا التواصل مع أصدقائه من المثقفين والكتاب والسياسيين المصريين، حكى مروة: "قرأت المجلات المصرية الثقافية القديمة مثل (الهلال) و(الثقافة) و(الكاتب المصرى) وتعرفت من خلال قراءاتي لهذه المجلات على عدد كبير من الكتاب والمثقفين المصريين، وتعلقت بمصر عبر هذه المجلات".
وتابع: "ولكني قبل ذلك تعلقت أيضا بالسينما المصرية والفنانين المصريين وتكوّن لديّ الآن ما أسميه هوسي بحب مصر، فحين جئتها للمرة الأولى عام 1954 كان ذلك بالنسبة إليّ بمثابة الحلم، وعرفت حينها كوكبة كبيرة من المصريين الذين كتبت عنهم فى (وجوه مصرية مضيئة) منهم حسن فؤاد وألفريد فرج وصلاح جاهين ومحمود أمين العالم وخالد محيى الدين وغيرهم، كما تعرفت أيضا على الرواد اللبنانين الذين أتوا إلى مصر وكانت اختيارهم بحق لأن مصر بجمالها استدعتهم بشكل مباشر ليشاركوا فى النهضة التى نعتز بها، ولولا مصر لما كان لهؤلاء الرواد أن يلعبوا هذا الدور"، ثم قال: "إن مصر هي أمّنا بالمعنى المباشر والحرفي، وعندما تُشفى وتتعافى مما تعاني منه يُشفى لبنان ويتعافى العالم العربى كله".
وقال مروة إنه يستعد لإصدار كتاب جديد سيصدر عن هيئة الكتاب أيضا بعنوان «شخصيات ووجوه مصرية في الثقافة والسياسة» وهو الذي يستهل نشر أولى مقالاته بجريدة «الأهرام» المصرية السبت القادم عن الزعيم المصري مصطفى كامل.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNC4xMTgg
جزيرة ام اند امز