نقابة الصحفيين المصريين والسلطة.. 75 عامًا من الصدام
منذ نشأتها في 31 مارس 1941، خاضت نقابة الصحفيين معارك مع السلطة لانتزاع حقوقها، آخرها المعركة المشتعلة حاليًّا منذ يوم الأحد.
احتفلت نقابة الصحفيين المصريين قبل أيام بعيدها الماسي، احتفالًا بمرور 75 عامًا على إنشائها، لتعاصر هذه النقابة العريقة عدة حقب تاريخية، خاضت خلالها عده معارك مع السلطة التنفيذية، آخرها المعركة المحتدمة -حاليًّا- إثر اقتحام قوات الأمن لمقرها يوم الأحد الماضي.
والمتتبع لتاريخ تلك العلاقة، ربما يذهب لما هو أبعد من الـ75 عامًا؛ فقبل تأسيس النقابة في 31 مارس/آذار 1941، خاض الصحفيون معركة من أجل انتزاع حقهم في إنشاء كيان نقابي يتحدث باسمهم، بعد كفاح دام 50 عامًا، وتحديدًا عندما خرجت الفكرة من جريدة الأهرام في 1891، وتكرر النداء في 1909.
كان الصدام الأول مع السلطة التنفيذية حول مادة حظر الاشتغال بالسياسة في قانون النقابة، ففي مجلس الشيوخ عند مناقشة مشروع قانون النقابة رفض النائب يوسف أحمد الجندي الشهير برئيس "جمهورية زفتى" نصًّا كانت لا تخلو منه قوانين النقابات المهنية في ذلك الوقت بحظر الاشتغال بالسياسة قائلًا: "كيف يحظر على نقابة الصحفيين الاشتغال بالسياسة لأن تنظيم مهنة الصحافة وتكوين نقابة يستلزم الاشتغال بالسياسة؛ فإذا سنَّت الحكومة قانونًا من شأنه الحد من حرية الصحف مما يستدعي أن تناقشه هيئة النقابة تم منعها بحجة اشتغالها بالأعمال السياسية مع أن طبيعة تنظيم المهنة تقتضي من النقابة الكلام في السياسة، كما أن العمل على رفع شأن الصحافة وإعلاء كلمتها يستدعي حتمًا تعرض النقابة للشؤون السياسية".
وكانت نقابة الصحفيين هي أول نقابة لا يحظر قانونها الاشتغال بالسياسة، واستطاع الوعي الجمعي للصحفيين منذ هذه اللحظة ألا يخلط بين اهتمام النقابة والصحفيين بحكم طبيعة عملهم بالسياسة وبين العمل الحزبي، ولم تسمح الجمعية العمومية أو مجالس النقابة التي أبدت رأيها في كثير من أمور السياسة العامة للوطن أن تكون بوقًا حزبيًّا لأي تيار أو جماعة سياسية.
بعد 9 سنوات، أي في 1951، اصطدمت النقابة بالسلطة مرة أخرى، حيث تصدت لتعديلات قانونية طرحها استفان باسيلي، عضو الهيئة البرلمانية للوفد وعضو مجلس النواب، على البرلمان بهدف وضع قيود على الصحافة، بعد موجة من الهجمات الصحفية على حكومة الوفد، وهو ما دفع الجمعية العمومية إلى إصدار قرار باحتجاب الصحف المصرية، ثم تم تنظيم احتجاجات على التعديلات، واضطر باسيلي أمام ضغط الرأي العام وغضبة نقابة الصحفيين لسحب المشروع.
ثم جاءت فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، التي يعتبرها مراقبون بداية تقييد الحريات، حيث تم تقييد إصدار الصحف، وتأميمها بعد قرار إلغاء الأحزاب السياسية، فضلًا عن الرقابة الصارمة على المواد المنشورة في الصحف خلال هذه الفترة، واعتقال الصحفيين المعارضين للفكر الناصري، والتي كان أبرزها واقعة اعتقال الكاتب الصحفي مصطفى أمين، مؤسس جريدة أخبار اليوم، حيث وجهت إليه تهمة "التخابر لصالح أمريكا"، وصدر ضده الحكم بالسجن 9 سنوات قضاها أمين في السجن.
ثم خاضت نقابة الصحفيين صراعًا طويلًا حول قضية التطبيع مع إسرائيل، وقد بدأ الصراع بمعارضة قرار الرئيس السادات الذهاب إلى إسرائيل، وإلقاء خطاب في الكنيست، ثم رفض اتفاقية "كامب ديفيد".
وواجه الرئيس السادات هذا الرفض بقرار تحويل النقابة إلى "نادٍ للصحفيين"، لكنه تراجع بعد تصاعد احتجاجات الصحفيين، التي دعمها قطاع كبير من المواطنين وعدد من القوى السياسية، والنقابات المهنية.
وقرر مجلس النقابة "حظر التطبيع النقابي" مع إسرائيل حتى يتم تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وذلك خلال الجمعية العمومية للمجلس التي عدت في مارس 1980.
في يونيو 1995 كانت نقابة الصحفيين على موعد مع جولة جديدة في الصراع مع السلطة التنفيذية، وذلك لمواجهة قانون جرائم النشر رقم 93 لسنة 1995، الذي كان يسعى لوضع قيود على حريات الصحافة، واشتهر في ذلك الوقت باسم قانون "حماية الفساد".
بعد تمرير القانون في 27 مايو 1995، قرر أعضاء مجلس النقابة عقد اجتماع طارئ يوم 29 مايو، ودعوا إلى عقد جمعية عمومية طارئة في 10 يونيو، سبقه اعتصام في 6 يونيو لمدة 5 ساعات بمقر النقابة، شارك فيه مئات الصحفيين، واحتجبت صحف حزبية في الفترة من 2 يونيو وحتى 7 يونيو، واستمر التصعيد من جانب نقابة الصحفيين، حتى تم إسقاط القانون في عام 1996.
ومع صعود الإخوان إلى سدة الحكم بتولي المعزول محمد مرسي الرئاسة، قتل الصحفي الحسيني أبو ضيف، في أحداث قصر الاتحادية، وتم منع 16 صحفيًّا من الكتابة وملاحقة 9 آخرين بتهمة إهانة الرئيس، بالإضافة إلى استبعاد رئيس تحرير الجمهورية جمال عبد الرحيم، رغم حصوله على حكم قضائي بالعودة لمنصبه.
وشهدت فترة حكم الإخوان اعتداءات على مقار عدة صحف وفضائيات، بالإضافة إلى حصار للمؤسسات الإعلامية ومدينة الإنتاج الإعلامي، من أنصار الجهادي حازم صلاح أبو إسماعيل، الحليف الرئيسي للإخوان.
ومؤخرًا، تواجه النقابة أزمة مع السلطة التنفيذية توصف بأنها الأكبر، إذ لأول مرة في تاريخ النقابة تقدم قوات الأمن على اقتحام مقر النقابة، للقبض على اثنين من الصحفيين اعتصموا داخلها، وهو ما تقول النقابة إنه مخالفة للقانون الذي ينظم إجراءات تفتيش مقار النقابة، بينما يتمسك الأمن المصري برواية أن دخول مقر النقابة كان بهدف القبض على اثنين من الصحفيين صادر بحقهما أمر ضبط وإحضار من النيابة العامة.
ومنذ اندلاع الأزمة يوم الأحد الماضي، تتجه يوميًّا إلى التصعيد، وآخرها كان اليوم، حيث دعت النقابة لاجتماع عاجل للجمعية العمومية، تم خلالها اتخاذ إجراءات تصعيدية، في مقدمتها التمسك بمطب إقالة وزير الداخلية واعتذار رئاسة الجمهورية والامتناع عن نشر اسم وزير الداخلية بالصحف.
وقالت مواقع إلكترونية نقلًا عن مصادر بمجلس الوزراء، إن رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل دعى لاجتماع عاجل مع مجلس النقابة وشيوخ المهنة لاحتواء الأزمة؛ فهل ينجح في ذلك، أم أن الأزمة مرشحة نحو مزيد من التصعيد؟ في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.