الاتجار بالبشر في الأردن.. غالبية الضحايا من النساء
35.8 مليون شخص يتعرضون لأحد أشكال العبودية الحديثة، فيجبرون على أعمال كقطف القطن وزراعة القنب الهندي وممارسة الدعارة والمشاركة في حروب.
على الرغم من إلغاء الاتجار بالرقيق الأسود، فإن مظاهر الرق اتخذت صورًا حديثة ومختلفة عن الصورة التقليدية للعبودية التي حاربها الإنسان في القرنين الأخيرين، في شتى أنحاء العالم، وما زال الحقوقيون يدافعون عن إنسانية الإنسان وعدم استغلال ضعفه بأي شكل من الأشكال، ليظهر حديثًا مصطلح "الاتجار بالبشر" الذي يتضمن في فحواه كل فعل يتضمن ظلم الإنسان للإنسان.
يروي عادل محمد، وهو عامل مصري، تم استقدامه للعمل في الزراعة، كيف أن صاحب العمل يستغله بشكل دائم ودون أي نظرة رحمة لحالته، يقول عادل: "قدمت إلى الأردن منذ عام 2010، وعملت في البداية في المزارع الواقعة بمنطقة البقعة، ومع الوقت جاءت عائلتي المكونة من زوجتي وأطفالي الثلاثة. واتفقت مع صاحب المزرعة على أن يؤمن لي المنزل لأسكن مع عائلتي ونتواجد في المزرعة بشكل دائم لحمايتها من السرقات، ويمنحني راتبًا يقدر بـ250 دينارًا أردنيًا".
يضيف عادل "بدأ صاحب المزرعة يستغلني حين استعرت منه مبلغ 200 دينار لعلاج ابنتي الصغيرة. ومن تلك اللحظة بدأ عملي يزداد، وأخبرني أنه لا يريد المبلغ، وفي المقابل يريد عملًا مضاعفًا يفوق قدرتي، وعبرت له عن رفضي ورغبتي بسداد المبلغ. إلا أنه حجز جواز سفري ولم يعطني إلى هذه اللحظة راتب شهرين. وقدمت شكوى ضده في وزارة العمل والآن أنتظر الإجراءات ليتم نقلي إلى كفيل آخر أكثر رحمة".
أما صوبيا، وهي ممرضة تم استقدامها من الفلبين للعمل في أحد المستشفيات، فعند قدومها وجدت أنها ستعمل بأعمال التنظيف في أحد الفنادق، تقول صوبيا: "جئت للأردن منذ عام 2014 للعمل بالتمريض، وصاحب العمل لا يريد منحي جواز السفر، وقدمت شكوى ضده في الأمن العام ولم أحصل على جوازي وهربت حتى لا أتعرض للضرب من صاحب العمل الذي ضربني مرة، والآن أعمل في أعمال مختلفة وبمساعدة من صديقاتي ودون تصريح عمل وبشكل مخالف، فلا خيار آخر أمامي".
عملية معقدة
مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة، ليندا كلش، تعرف جرائم الاتجار بالبشر بأنها كل فعل يتضمن تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.
وأوضحت كلش -لـ"العين"- أن عملية الاتجار بالبشر عملية معقدة، ومعظم ضحاياها من المهاجرين، خاصة النساء، وقالت إن المركز استقبل 366 شكوى بشكل عام، وبالنسبة لحالات الاتجار بالبشر فقد بلغ عددهم 86 حالة لعام 2015 تمت إحالتهم إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر لدى مديرية الأمن العام، ولكن لم يتم اعتبار جميع الحالات اتجارًا بالبشر من الناحية القضائية لعدة أسباب؛ مثل صعوبة الحصول على أدلة، والخلط بين جريمة الاتجار بالبشر والجرائم الأخرى.
ولفتت إلى أن أغلب الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة المهاجرة تتمثل في الامتناع عن دفع الأجور وحجز جوازات السفر، بالإضافة إلى ساعات العمل الطويلة وعدم التزام صاحب العمل باستصدار تصريح العمل وإذن الإقامة. إضافة إلى عدم تخصيص مكان للنوم، وحرمانهم من الإجازات، إلى جانب التحرش الجنسي.
وكشفت عن تعامل المركز مع 86 حالة، منها 45 حالة تم خلالها تسوية قضايا العمال ولم يرغبوا باستكمال الشكوى، وكُيّفت 6 حالات كقضايا اتجار بالبشر، 3 حالات جرى تكييفها مخالفة لقانون العمل وإيذاء، و3 بلاغات تم تكييفها على التوالي؛ حجز جواز سفر، إيذاء وتسبب بالإيذاء، واغتصاب، وهناك حالة تم إغلاق ملفها بسبب عدم ثبوت وجود شبهة اتجار بالبشر أو أي مخالفة، وهناك 28 حالة لا يزالون قيد البحث.
ولفتت إلى أن أكثر القطاعات التي يتم بها الاتجار بالبشر هي قطاع العمل المنزلي، ثم قطاع الزراعة، قطاع الغزل والنسيج، قطاع الإنشاءات، وقطاع الفنادق.
تجد "كلش" أن الأردن اتخذ خطوات كبيرة لمنع الاتجار بالبشر؛ حيث أصدر عام 2009 القانون رقم 9 "قانون منع الاتجار بالبشر" وصادق على البروتوكول الاختياري المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية للعام 2009.
جنسيات مختلفة
أما مديرة برنامج خط الإرشاد ومأوى النساء المعنفات التابع لاتحاد المرأة الأردنية، ناجية الزعبي، فقالت إن الاتحاد استقبل خلال عام 2015 وإلى هذه اللحظة (229) ضحية اتجار من النساء، منهن (6) يحملن الجنسية الأردنية و(42) يحملن جنسيات عربية و(81) من جنسيات أجنبية، ومن أكثر الجنسيات التي يتم استقبالها وتقديم لها خدمة المأوى والعلاج النفسي هي الجنسية الكينية.
تضيف "الزعبي" أن المأوى الذي يوفره الاتحاد لا يتسع لأكثر من 20 فتاة، ويتم إيواء الضحية إلى اللحظة التي يحل بها مشكلتها وتعود إلى الدولة الأم التي جاءت منها. ويتم تحويل هذه الحالات من قبل وحدة مكافحة الاتجار بالبشر من البحث الجنائي. وتتعاون جميع الأطراف لحل أزمة الضحية وإيجاد مخرج حقيقي لها.
وأوضحت أن معظم الحالات التي تأتي تقدم شكوى ضد الشخص الذي استقدمها، ومعظمهم من عاملات المنازل اللواتي يكتشفن أنهن في العقد اتفقن على عمل معين وحين قدمن للأردن يتم تشغيلهن بشكل يخالف ما تم الاتفاق عليه. ومن أهم الحالات أن يكون صاحب العمل قد حجز جواز السفر ومثلًا يكون الاتفاق معها على أن تعمل في منزل واحد ومن ثم تجد نفسها تعمل في منزلين، ومن الحالات أيضًا ألا يقوم صاحب العمل بدفع الراتب المخصص لها.
وتطالب "الزعبي" بزيادة دور الإيواء للنساء المعنفات وتحديدًا ضحايا الاتجار بالبشر وتوفير الخدمات النفسية، وطالبت بتشديد الرقابة على مكاتب استقدام العاملات في المنازل.
دراسة
وبحسب تقرير مؤشر العبودية الثاني لعام 2015 والصادر من مؤسسة "ووك فري" الأسترالية، فإن نحو 35.8 مليون شخص يواجهون حاليًا أحد أشكال العبودية الحديثة، ويجبرون على القيام بأعمال معينة كقطف القطن وزراعة القنب الهندي وممارسة الدعارة والمشاركة في حروب أو تنظيف منازل الأثرياء، كما أن هنالك عددًا أكبر تقدر نسبتهم بنحو 20% مستعبدون في العالم وفقًا لمفهوم العبودية الحديثة الذي يشمل الزواج القسري وبيع الأطفال أو استغلالهم وتهريب الأشخاص والعمل القسري.
ووفق ما جاء بالتقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص الصادر عام 2014 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن النساء والفتيات يشكلن ما نسبته 70% من ضحايا الاتجار بالبشر، وأن الضحايا بشكل عام يحملون 152 جنسية في 124 دولة حول العالم، وأن نحو 90% من دول العالم تجرم الاتجار بالبشر.
aXA6IDMuMTQ3LjYwLjYyIA== جزيرة ام اند امز