"محاصرة" حزب الله في عقر داره.. القصة الكاملة
لم يكن يصدق حزب الله أن نار تصنيفه إرهابيا منذ عام 1995م، ستصل إلى عقر داره بعد عشرين عاما
لم يكن يصدق حزب الله أن نار تصنيفه إرهابيا منذ عام 1995م، ستصل إلى عقر داره بعد عشرين عاما، ودائما كان أمينه حسن نصر الله يسخر من تصنيف الحزب إرهابيا من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي، حتى وصل الأمر بأنه كان يهدد من يتهمه بتمويل الإرهاب أن يقدم دليلا ضده، معلنا على الملأ أنه ورجاله لا يملكون حسابات بالبنوك داخل لبنان أو خارجها.
ومع تصنيفه إرهابيا من قبل مجلس التعاون الخليجي ثم وزراء الداخلية العرب ثم الجامعة العربية، بات تطبيق الحصار المالي للحزب قاب قوسين أو أدنى حتى أقر الكونجرس الأمريكي القانون الخاص بتجفيف منابع تمويل حزب الله خارجيا وداخليا، ومع دخول القانون الأمريكي حيز التنفيذ بعد إعداد لائحة بأسماء رجال أعمال وشركات من داعمي الحزب ماليا، بدأ مصرف لبنان أيضا بتنفيذ القانون حماية للنظام المصرفي اللبناني ومدخرات اللبنانيين حسب تصريح رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، الذي أصدر تعميما للبنوك اللبنانية بتطبيق القانون الأمريكي والالتزام باللائحة المعلنة من المتهمين بتمويل الحزب ماليا.
بداية تنفيذ العقوبات
ومنتصف الشهر الجاري وصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت، نائب وزير الخزانة الأمريكي، في مهمة التأكد من التطبيق المصرفي للعقوبات المفروضة على شخصيات لبنانية محسوبة على حزب الله.
لبنان لم يجد مهربا من الرضوخ لتطبيق القانون الأمريكي ضد حزب الله، لأن عدم القبول بهذا القانون يعرّض لبنان إلى عقوبات قاسية، ويزعزع أسس استقراره، النقدي والاقتصادي.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان قد أصدر مطلع الشهر الجاري، قراراً أكد من خلاله التزام المصارف في البلاد بتطبيق العقوبات الأمريكية المفروضة على نحو 100 مؤسسة وشخصية محسوبة على حزب الله، والتي تحظر على المؤسسات المالية حول العالم تقديم أية خدمات أو تسهيلات مصرفية للمستهدفين.
من جانبه قام حزب الله بتشكيل خلية خاصة في الحزب لمتابعة هذه القضية وأوكل الملف إلى النائب السابق أمين شري، حيث عقد لهذه الغاية جملة لقاءات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف في محاولة من حزب الله للالتفاف على هذه القرارات بالتهديد والوعيد، وخصوصا بعد صدور البيان الشهير لكتلة الوفاء للمقاومة الذي رفض القرار الأمريكي جملة وتفصيلا لأنّه يؤسّس لحرب إلغاء محلّية يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف اللبنانية.
واعتبر النائب عن حزب الله علي فياض أنّ محاولة تطبيق القانون الأمريكي ضد الحزب، ستترك تأثيرات سلبية على الاستقرار في لبنان، وتكون لها تداعياتها السلبية على الوضع اللبناني، كما صرح النائب عن حزب الله أيضا حسن فضل الله بأنّ التعاميمَ التي تصدر باسم مصرف لبنان تتفق مع ما تريده أمريكا، وهناك من يحاول أن يفرض أكثر ممّا يريده الأمريكيون، قاصدا رياض سلامة.
وبعد هجوم حزب الله على رياض سلامة قال الأخير في بيان له إن القانون الصادر في الولايات المتحدة قانون أمريكي مطلوب تطبيقه عالميا وفي لبنان، وبالتالي فإن الالتزام به كان واجبا قانونيا لبنانيا، لأن عدم تطبيق القانون يعني انعزال النظام المصرفي اللبناني عن العالم.
ودعا سلامة البنوك التي تنوي إغلاق حساب فرد أو منظمة على أساس هذا القانون إلى تقديم مبرر لهذا القرار، وأن تنتظر ردا من هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، لأنها تتمتع باستقلالية وبصفة قضائية.
جمعية المصارف تعلن الالتزام
من جانبها أعلنت جمعية المصارف اللبنانية التزام المصارف بتطبيق قانون العقوبات الأمريكي في حق حزب الله. مؤكدة في بيان لها هذا الأسبوع أن المصارف ملتزمة بالقوانين اللبنانية وبالمتطلبات الدولية، بما فيها تطبيق العقوبات وهو من المستلزمات الضرورية لحماية مصالح لبنان والحفاظ على ثروة جميع أبنائه، وعلى مصلحة كل المواطنين والمتعاملين مع المصارف، ما يؤمّن لهم سلامة استمرارية العمل من خلال النظام المالي العالمي، لأن القطاع المصرفي اللبناني هو جزء من النظام المصرفي العالمي، حيث تتواجد مصارف لبنان في 33 بلدا وتعمل في ظل نظام العولمة المالية وتحترم كل متطلباته.
ولم يسكت حزب الله عن كلام حاكم مصرف لبنان، وبيان جمعية المصارف، حيث أثار وزيرا حزب الله حسين الحاج حسن ومحمد فنيش المسألة في مجلس الوزراء معتبرين أن الموضوع خط أحمر.
وبعد التصعيد ما بين حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف من ناحية ووزراء ونواب حزب الله من ناحية أخرى، تقرر إجراء لقاء لهيئة مكتب جمعية المصارف مع الوزير عن حزب الله حسين الحاج حسن والنائب علي فياض والنائب السابق أمين شري، حيث إن الحزب يعتبر الكرة الآن في ملعب المصارف بعد البيان الصادر عن سلامة، والذي يشدد فيه على وجوب مراجعة هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي قبل أن يبادر أي مصرف إلى إقفال أي حساب.
والمصارف حتى الآن ليس أمامها إلا خياران، فإما أن تتقيد بما صدر عن سلامة، وإما أن تواصل الاجتهاد في تفسير القانون الأمريكي ومراسيمه التطبيقية، مما يجعلها في مواجهة مباشرة مع حزب الله من جهة، ومع المصرف المركزي من جهة أخرى.
ورد رياض سلامة بأنه لن يدع المصارف تتجاوز ما هو مطلوب بموجب القانون الأمريكي، حيث تم وضع معايير محددة بخصوص تطبيق هذا القانون، تحدد ما هي الحسابات التي يجب إغلاقها، وهي التابعة لحزب الله كمؤسسة، وكذلك المتعلقة بأسماء واردة على لائحة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
وهكذا يصبح دفع رواتب وزراء ونواب حزب الله مسموحا، بشرط ألا يستخدموها لتمويل عمليات تخص الحزب.
يذكر أن مصارف لبنانية أغلقت عدة حسابات باسم نواب لحزب الله كما رفضت فتح حسابات لعدد من المقربين من الحزب، كما أغلق مصرفان لبنانيان -لم يعلن عن اسميهما- حسابين للنائبين علي فياض ونوار الساحلي وحساب ابنة النائب السابق أمين شري.
حزب الله من جهته لا يعترض على القرارات المصرفية الدولية، إنما يحذر من استنسابية تعاطي بعض المصارف مع أبناء بيئته وجمهوره، خوفا من الوقوع في خطأ إعطاء المصارف صلاحيات مطلقة في مسألة فتح أو تجميد أو إقفال حسابات، مما يسمح باتخاذ قرارات تعسفية.
وكان الكونجرس الأمريكي قد أقر قانون مكافحة تمويل حزب الله، وأصبحت المصارف اللبنانية ملزمة بتطبيق هذه المراسيم، وأصبحت الخزانة الأمريكية معنية بمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التي تضم لوائح بـ95 اسماً لمسئولين سياسيين ورجال أعمال وشركات ومؤسسات تعتبرها واشنطن مرتبطة بحزب الله، وفي مقدمها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، والمسئول العسكري مصطفى بدر الدين الذي اغتيل في سوريا الأسبوع الماضي وهو أحد الأربعة الذين تتهمهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورجال أعمال على صلة بالحزب، إضافة إلى مؤسسات الحزب الإعلامية: تلفزيون المنار، وإذاعة النور.
أما بقية الأشخاص والمؤسسات المستهدفة، فكان من بينها مؤسسات وشركات مقاولات وجمعيات خيرية، وهي: عبد الله محمد يوسف، أسعد أحمد بركات (البرازيل)، حاتم أحمد بركات وفايز محمد بركات (الباراغوي)، شركة بركات للتصدير والاستيراد (تشيلي)، علي زعيتر (الصين)، شركة إيرو سكيون كو ليميتد (هونغ كونغ)، مجموعة الإنماء للهندسة والمقاولات (لبنان)، شركة الإنماء للترفيه (لبنان)، شركة الإنماء لمشاريع السياحة (لبنان)، جمعية القرض الحسن (لبنان)، مؤسسة بيت المال (لبنان)، مؤسسة يُسر (لبنان)، سوبرماركت أميغو (لبنان)، شركة بيبلوس ترافل إيجنسي (لبنان)، شركة فاستلينك وغاليري بايج وجمعية غودويل تشاريتابيل الخيرية (الولايات المتحدة)، هيئة دعم المقاومة الإسلامية (لبنان)، مؤسسة جهاد البناء (لبنان)، مؤسسة الشهيد (لبنان)، سوبرماركت كيربا وهشام نمر خنافر (غامبيا)، كامل أمهز (لبنان)، شركة تاجكو (لبنان)، منتجع ووندر وورلد (نيجيريا)، قاسم عليق (لبنان)، علي عطوي (لبنان)، علي موسى دقدوق الموسوي (لبنان)، محمد جبور (العراق).
وبالرغم من التوضيح الذي أصدره حاكم مصرف لبنان وبيان جمعية المصارف ومحاولات التهدئة بين الحزب والقطاع المصرفي اللبناني، لا تزال كتلة الوفاء للمقاومة -حزب الله - ترى أن هذه التعاميم انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الأمريكي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين وبين المصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء، لأن مثل هذا القانون يؤثر على الاستقرار الاجتماعي في البلد، حيث سيصبح كل شخص من بيئة الحزب، طبيعياً أو معنوياً، مذنباً حتى تثبت براءته حسب هذا القانون الأمريكي.
aXA6IDE4LjIxOC43Ni4xOTMg جزيرة ام اند امز