خلال الأسبوعين الماضيين قابلت أكثر من مسؤول كبير في الحكومة والدولة، وكانت الانتخابات وما حدث فيها هو الموضوع الرئيسي في النقاش.
خلال الأسبوعين الماضيين قابلت أكثر من مسؤول كبير في الحكومة والدولة، وكانت الانتخابات وما حدث فيها هو الموضوع الرئيسي في النقاش.
أحد المسؤولين، الذي أقدره كثيرا، قال لي: والله أنا مكسوف مما حصل من رشاوى انتخابية غير مسبوقة.
مسؤول آخر، قال: نحن تعودنا منذ زمن بعيد على هذه الرشاوى، لكنها لم تكن بمثل هذا التغول والفُجر والبجاحة، كانت تحدث في بعض الدوائر القليلة، لكنها هذه المرة صارت السمة المميِّزة والبارزة للانتخابات.
مسؤول ثالث قال لي: كنا معتادين على قيام بعض أجهزة الحكومة على التزوير الفج للانتخابات، وتسويد الصناديق، الآن تخلصنا من هذه الآفة بفضل التعديلات الأخيرة، لكننا لم نكن ندري أن «التزوير الأهلي»، أسوأ مليون مرة من التزوير الحكومي القديم، على الأقل كان يتم من خلف الستار في معظم الأحوال.
إذا كان هذا هو كلام بعض المسؤولين في الحكومة، فكيف نتصور شعور المعارضين والمحبَطين أو المقاطعين أو اليائسين من مجمل العملية السياسية؟
الخطأ القاتل الذي وقعت فيه الحكومة هو اعتقادها أن مجرد عدم التدخل الإداري بصورته القديمة يبرّئ ساحتها من كل ذنوب العملية الانتخابية.
لماذا هو خطأ قاتل؟! لأن الأمر ببساطة أن الرِّشى الانتخابية بصورتها الأخيرة تشبه المرض الخبيث الذي سيدمر جسد البرلمان بأكمله، لا قدر الله.
لن يستطيع الكثيرون منع المعارضة من التشكيك في مشروعية البرلمان القادم المبنيّ بالأساس على جزء كبير من النواب الذين نجحوا بأموالهم فقط.
المشكلة ليست فقط في النائب الذي اشترى الكرسي، ولكن في الناخب الذي باع ضميره وشرفه وقبل أن يرتشي بخمسين جنيهًا أو بألف، بكرتونة زيت وسكر أو بشريط ترامادول وحبة فياجرا، أو بأحدث الرِّشى والصيحات المتمثلة في الأرز والفسيخ خصوصًا في اليوم الأخير من جولة الإعادة الأربعاء الماضي.
للمرة الأولى نرى طوابير تتسلم رشاوى علنية، وهم يدركون أن الكاميرات تصورهم. للمرة الأولى يدخل ناخبون ويدلون بأصواتهم، ثم يذهبون إلى القاضي ويطلبون منه ثمن الصوت، معتقدين أن الأمور صارت «سداح مداح».
الكوميديا السوداء التي حدثت في اللجان الانتخابية قد تكون عائدة إلى «جهل وغُلب» بعض الناخبين المطحونين بالفقر والمرض، لكنها تكشف أيضا عن أن غالبية الناس لم تعد تخشى شيئا، مات ضميرها أو انكشف فقرها، فرأينا هذه الدمامل! أحد الناخبين دخل لجنته وبدلا من اختيار مرشح كتب في خانة إبداء الرأى: «أنا أخدت فلوس من المرشحين الاتنين!!».
هل فكّرنا في نوعية الأعضاء الذين دخلوا البرلمان بأموالهم فقط؟ وهل فكرنا كيف سيكون أداؤهم البرلماني؟ ولمن سيكون ولاؤهم، للنشيد الوطني الذي سيقولونه بأفواههم، أم لمن موّل حملاتهم الانتخابية، سواء كانت جماعات ضغط «لوبيات» أو عائلات أو أحزاب أو رجال أعمال؟!
الذي حدث في الانتخابات الأخيرة سيظل سُبّة في جبين البرلمان، وكل من شارك في مهزلة شراء وبيع الأصوات، وللأسف حتى من فاز بجهده وعرقه وخبرته وتاريخه سيناله بعض الرذاذ المتطاير من وحل الرِّشى الانتخابية.
السؤال الذي ينبغي أن يشغل الحكومة وسائر أجهزة الدولة هو الآتي: كيف يمكن تقليل وتغيير هذه الصورة المأساوية للبرلمان الذي قلنا إن دوره تاريخي في نقل مصر إلى مرحلة جديدة؟!
هل هناك أمل في تغيير هذه الصورة إلى الأفضل قليلا؟ الله أعلم.
* يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة "الشروق" المصرية وبوابة "العين" الإلكترونية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة