لم تكن كلمة أوباما للشعب الأمريكي مساء الأحد لمواجهة داعش، بقدر ما كانت لمواجهة الجمهوريين ومرشحيهم للرئاسة الذين وضعوه في موقف الدفاع
لم تكن كلمة أوباما للشعب الأمريكي مساء الأحد لمواجهة داعش، بقدر ما كانت لمواجهة الجمهوريين ومرشحيهم للرئاسة الذين وضعوه في موقف الدفاع خاصة بعد هجمات باريس ثم سان برناردينو، صحيح أنه اعتاد على هجماتهم طوال السنوات السبع الماضية، لكن الانتقادات هذه المرة كانت حادة وأثارت قلق الديمقراطيين، بحيث أصبح على الرئيس الأمريكي أن يكون أكثر حسمًا ووضوحًا في استراتيجيته لمواجهة الإرهاب.
فرغم أن أوباما لم يعد عليه أن يواجه الناخبين مرة أخري، إلا أن أعضاء الكونجرس وحكام الولايات وهيلاري كلينتون (المرجح فوزها كمرشحة رئاسية عن الحزب الديمقراطي) سيواجهون الناخبين بعد أحد عشر شهرًا في انتخابات حاسمة، وقد بدا أن الجمهوريين أصبحت لهم الكفة الأعلى في الجدل حول هذا الموضوع، الذي صار على رأس أولويات الناخبين.
مشكلة أوباما أنه حاول ربط حادث سان برناردينو في البداية بمشكلة حمل الأسلحة النارية، وبالتالي تعامل معه بطريقة اعتبرها ناقدوه معزولة عن الواقع وتخوفات الناس، وكان عليه أن يعيد إليهم الثقة في قيادته وسياساته.
كلمة أوباما لم تقدم استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب بقدر ما كانت للتأكيد على الاستراتيجية الحالية، بالتعاون مع الدول الحليفة لمواجهة داعش دون تورط القوات البرية الأمريكية، مع محاولة التوصل لوقف إطلاق النار وتسوية سياسية في سوريا تضمن التفرغ لمواجه التنظيم الإرهابي.
لكن ما أثار غضب كثير من المعلقين المحافظين هو تركيز أوباما في جزء كبير من كلمته علي عدم التمييز ضد المسلمين الأمريكيين الذين وصفهم بالجيران والأصدقاء وأن بعضهم يحاربون دفاعًا عن أمريكا، كانت كلمته موجهة تحديدًا لبعض السياسيين الجمهوريين مثل المرشحين الرئاسيين دونالد ترامب، و تيد كروز ، و ماركو روبيو، الذين استخدموا عبارات عنيفة مثل دعوة ترامب لتسجيل المسلمين في أمريكا؛ لذلك لم يكن مستغربًا أن يخرج ماركو روبيو ليستنكر كلمات أوباما، ويقول، إننا لسنا في إطار عملية تمييز ضد المسلمين، رغم أن روبيو نفسه تحدث بحماقة منذ أيام عن الصراع بين الحضارات بما يضع أمريكا في مواجهة الحلفاء الطبيعيين لها من المسلمين المعتدلين.
اللافت للنظر أيضًا أن المرشح الجمهوري جاء برسالة تشيع الخوف لدي الناس، قائلًا، إن هناك عائلات ألغت رحلاتها في إجازة عيد الميلاد ولم يعودوا يذهبون إلي مراكز التسوق خوفًا من الإرهاب، وهو أمر مزعج لكنه لو حدث لن يكون نتيجة عملية سان برناردينو فقط، ولكن بسبب إثارة الرعب منها في بعض وسائل الإعلام ومن أمثال روبيو. صحيح أن هناك تأثيرًا خطيرًا لمثل هذا العمل الإرهابي، لكنه بكل فظاعته هو واحد من ٣٥٥ عملية إطلاق نار جماعية حتي الآن هذا العام، أي بمعدل يزيد عن عملية واحدة كل يوم، بالطبع هناك دافع ديني متطرف خلف هذه العملية بما يعطيها أهمية استثنائية، لكن هذا لا يعني التركيز عليها وحدها وتجاهل العمليات الأخرى خاصة أن روبيو ـ مثل غيره من الجمهوريين ـ رفض إضافة أية قيود على امتلاك الأسلحة النارية حتى من قال أوباما إنهم على قائمة الممنوعين من ركوب الطائرات.
نقطة أخيرة في كلمة أوباما، هي أن دفاعه عن الأغلبية العظمي من المسلمين السلميين في أمريكا وأنحاء العالم جاء مع دعوة قوية لهم لاستئصال الأيديولوجية المتطرفة لداعش والقاعدة.
وقد حرصت علي متابعة الكلمة والتعليقات عليها في القنوات الأمريكية الهامة، لكني ركزت علي فوكس نيوز باعتبارها الأكثر قربًا من الجمهوريين.
مع انتهاء الخطاب حدث شيء ربما يعطي نموذجًا للمشاكل الإعلامية التي تواجه المسلمين، فقد ذكر أوباما أنه لا يمكن إنكار حقيقة انتشار أيديولوجية متطرفة داخل بعض المجتمعات المسلمة، مطالبًا بمحاربة هذه الأفكار المتطرفة، فإذا بالقناة تضع هذا العنوان: أوباما: التطرف انتشر في المجتمعات المسلمة.
لا يمكن أخذ هذا التحريف على أنه سهو أو خطأ غير مقصود، خاصة عندما يتسق مع أسلوب وخطاب القناة عمومًا فيما يتعلق بهذا الموضوع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة