انفضت المفاوضات اليمنية في الكويت وبقيت أوزار الحرب ثقيلة منهكة
انفضت المفاوضات اليمنية في الكويت وبقيت أوزار الحرب ثقيلة منهكة، في ذلك اعتراف من التاريخ بفشل ذريع لمهمة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ لا تخفيه اللغة التي كتب بها بيانه الصحفي السبت الماضي.
وفيه أن تصعيداً عسكرياً على جميع جبهات القتال أمرٌ مؤكد وأن حرباً ضارية ستضع صنعاء على مرمى النيران، وذلك يخلق آمالاً لدى اليمنيين بهزيمة الانقلاب والانتقال إلى تسوية سلمية وفي نفس الوقت يحمل مخاطر على المدينة الأثرية والأثيرة.
وفيه انكشاف لانقسام المجتمع الدولي أو لاتفاق نوايا أعضائه الكبار، دون تفاهمات محددة، على دفع هذا البلد إلى مستنقع دم بمدى زمني طويل تحكمه حسابات معقدة لمستقبل المنطقة الغنية بالنفط والمتحكمة بعقدة المواصلات الدولية، كان كثيرون اعتقدوا بعد انتقال المفاوضات من جنيف إلى الكويت أن الرايات لاحت بسلام مستقر سيأتي من هناك؛ لما لهذا البلد من سابقات بديعة الروعة في نزع فتيل الأزمات وإفشاء السلام بين البلدان العربية، وهنا لم تكن الكويت مجرد مضيف خالي البال بل دولة عظيمة الاهتمام بإنجاح المفاوضات بكل سبل العون وباتصالات مباشرة من الأمير ومساعديه للتقريب بين الأطراف، وقبل ذلك وفي إشارة ظاهرة المغزى استضافة المتفاوضين في القصر الرئاسي (بيان)، من هذه الزاوية تولد اعتقاد لدى مراقبين بنجاح مؤكد وانتصار حاسم للسلام يوفر الدم ويحفظ الأواصر بين الناس والاتصال في الجغرافيا، سأقول إنني كنت، مع آخرين، غير متفائل لأن المكان وحده لا يكفي لبعث الأمل إذا لم يتضافر مع الزمان ومع الناس، فخبرة الحوثيين ترى في جبروت السلاح قوة التاريخ من غير أن تدرك الخيط الفاصل بين أهميته في التوسيع الإمبراطوري، ولكن مدعوماً بالعقل والعلم، وبين تأثيره الهدام في النطاق الوطني والقومي.
لكأنما مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لم يلحظ هذا الهوس بالسلاح والدم لدى الحوثيين وحليفهم، حتى يتطاول به الأمل ويقدم وعداً بسلام مرتقب في البيان الصحفي الذي قرأه السبت أو لعله لا يريد الاعتراف بالفشل رغم أن أحداً لا ينتظر منه أن يفتح أبواب الرجاء بالإكراه، وإنما هو مطالب بالدبلوماسية وبالذكاء أن يعمل ما يقدر عليه، فإذا لم يستطع كان لزاماً عليه أن يبسط الحقائق والوقائع كما حصلت وذلك ما لم يفعل، ولد الشيخ حلق في الفراغ وأصدق ما تضمنه بيانه أنه نجح في جمع الأطراف رغم أنهم تفرقوا قبل منتصف الطريق، بعد ذلك فقد طالبهم بإجراءات كان عرضها في ختام جولات سابقة من المناقشات، لقد جاء بيانه سلة من المتناقضات، فهو يتحدث عن أرضية صلبة دون أن يحدد قواعدها أو نوع تربتها، بينما تبدو الهشاشة ويتأكد الاضطراب في باقي التقرير حتى أنه لا ينحى باللائمة على المعيقين، وإنما يرميها في وجه الأطراف كلها بعد أن عرف العالم أن الوفد الحكومي وقّع على مشروع التسوية المقترح منه ورفضه الآخرون.
واضح أن ممثل الأمين العام أراد أن يرخي الحبل مع الحوثيين وحليفهم؛ كي لا يتخلفوا عن مفاوضات قال إنها سوف تستأنف بعد شهر، وهو موعد معلق لا وجود لمعطيات تشجع عليه وتؤكده، والجديد الظاهر دافع إلى الترحيل إلى أجل غير مسمى أو إلى مشاورات تستهلك الوقت.
وليست منشورة الإحاطة التي قدمها ولد الشيخ لمجلس الأمن حول الجولة الأخيرة من المفاوضات، لكنه في بيانه وفي مؤتمره الصحفي لم يطلق موقفاً قوياً أوليناً من الخطوة المتحدية للحوثيين وحليفهم في صياغة شكل رئاسي موازٍ سبقته تصريحات صدرت عن الرئيس السابق، في تظاهر بالقوة، يطلب التفاوض مع المملكة العربية السعودية، وقد جاءت في سياق استهجان للرئيس هادي وحكومته بأن المجلس الذي سيشكل بديل لرئاسته.
بهذا المعنى سيكون المطلوب حواراً سعودياً إيرانياً، إلا أن الأمر غير ذلك فبالنسبة للشرعية انتخب هادي بأصوات اليمنيين إلى أن توضع مقررات الحوار الوطني قيد التنفيذ، وعن الشكلية فإن السيطرة على العاصمة وما حولها لا توفر سلطة فعلية ولا تكفي لادعاء النصر ما دامت المساحة شاسعة بين قوات الانقلاب في بني حشيش وبين المهرة وسقطرى في بحر العرب.
كان هذا الإعلان من صالح تأكيداً أنهم غير مستعدين للتوصل إلى تفاهمات توقف الحرب، وقد سارعوا إلى تشكيل مجلس رئاسي - سموه مجلساً سياسياً - من أشخاص مجهولين وعديمي التجربة والخبرة السياسية.
ذلك أدى بهادي وحكومته إلى تطوير الهجوم على جبهة مأرب - نهم، في خطوة يعتقد أن لها ما بعدها في حرب متعددة الأبعاد تشمل الاقتصاد هذه المرة إلى جانب السياسة، وتستهدف إجبار الحوثيين على العودة إلى مائدة التفاوض برغبة حقيقية في التسوية.
مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لم يلحظ الهوس بالسلاح والدم لدى الحوثيين وحليفهم ليحدوه الأمل بتقديم وعد بسلام مرتقب
نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة