ما زالت الجراح العربية تنزف أينما اتجهت من العراق شمالًا حتى الصومال جنوباً، مروراً بالسودان، فالحرب في دارفور لم تنته بعد
ما زالت الجراح العربية تنزف أينما اتجهت من العراق شمالًا حتى الصومال جنوباً، مروراً بالسودان، فالحرب في دارفور لم تنته بعد، بل ما زالت مستمرة، ولكن بوتيرة أخف مما كانت عليه في السابق، فبعد أن رضخت الخرطوم لمطالب الغرب، وقبلت بإنشاء دولة مستقلة في الجنوب عام 2011، قرر الغرب منح جائزة ترضية للحكومة السودانية، فخفف من حدة الصراع في دارفور، وتوقفت الحرب الكلامية عبر المنابر المختلفة، لكن هذا التوقف ليس إلا التقاطاً للأنفاس، لأن مخطط تمزيق السودان سيجري إلى نهايته. وليست دارفور هي فصل الختام، بل هناك النوبة في الشمال، والبجا في الشرق، لكن المرحلة المقبلة تقتضي التركيز على دارفور حتى الانتهاء منها على نمط الجنوب، فالمعركة في هذه المنطقة لا تزال قائمة، وكان التمرد في هذا الجزء من السودان قد بدأ قبل عام 2003، لكن في إبريل/نيسان من ذلك العام بدأت الحرب الفعلية بعد أن ضرب المتمردون مطار مدينة الفاشر، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف الكر والفر، ولعبت الهيئات الدولية دوراً في التحريض على السودان، وقدرت الأمم المتحدة عدد القتلى بسبب الحرب في دارفور بنحو 300 ألف شخص عام 2008، وكان الهدف من ذلك هو زيادة الضغط الدولي على الحكومة السودانية حتى تقبل بانفصال الجنوب. وهذا ما حصل عندما وافقت الحكومة السودانية على هذا الأمر، ونشأت دولة جنوب السودان وتم نزع «644» ألف كيلومتر مربع من مساحة السودان لتُقام عليها هذه الدولة.
إن انفصال الجنوب فتح شهية المتمردين في دارفور، وزاد من تمسكهم بنهج العداء للدولة حتى تحقيق مطالبهم في سلخ دارفور عن السودان، وقد انتقل مقر قادة المتمردين في دارفور إلى جوبا عاصمة دولة الجنوب التي باتت موئلاً لكل المتآمرين على السودان. ومن هناك يوجه هؤلاء رسائلهم إلى تابعيهم في دارفور للاستمرار في تنفيذ الخطط العسكرية، حتى أصبح معظم دارفور محفوفاً بخطر شديد. ولا يزال أكثر من 1.4 مليون من السكان المشردين يعتمدون على المساعدات الغذائية في المعسكرات المنتشرة في جميع أنحاء دارفور، بينما فرَّ الكثيرون خارج البلاد ولم يكن الدين أمراً خلافياً في هذا الشأن، فالجميع تقريباً في دارفور مسلمون، لكن أصبح الخلاف هو بين العرب وغير العرب، فالهدف هو تحجيم الوجود العربي في السودان، وفي عموم إفريقيا من خلال فتح المجال أمام القوميات الإفريقية، لتلعب دورها على مسرح الأحداث على حساب الوجود العربي هناك، فجنوب السودان الذي كان جزءاً من الأمة العربية قد انفصل عنها لينتمي إلى الأرومة الإفريقية، وهكذا سوف تموت اللغة العربية التي هي لغة الجنوب مع مرور الوقت، وسوف تتلاشى ملامح الوجود العربي في هذا المكان، وأيضاً فإن التساهل في موضوع دارفور سيؤدي إلى حدوث مأساة مماثلة، فهذا الإقليم مساحته كبيرة تبلغ نحو 500 ألف كيلومتر مربع، وتعيش فيه مجموعة من القبائل العربية، ويتحدث كل سكانه اللغة العربية، وإذا ما تمكن المتمردون من سلخ دارفور عن السودان، فإن هذا الإقليم سيخرج من الحاضنة العربية إلى الأبد، وسوف يسلك مساراً معادياً للوجود العربي في السودان.
إن التنازل في قضية دارفور سيجلب كوارث متتابعة على السودان، ولذلك فإن الأسلوب الأمثل الذي يتعين على الحكومة السودانية اتباعه هو مواجهة التمرد في دارفور، فمهما كانت التضحيات ومهما ارتفع الثمن، فإن التضحية بدارفور ستكون أسوأ بكثير على مستقبل السودان، لأن بعد دارفور، سيأتي الدور على شرق السودان الذي تسكن فيه القبائل البجاوية، ولن يعدم المتآمرون الوسائل لخلق تمرد مماثل لسابقيه في الجنوب وفي دارفور، مما سيؤدي إلى تقليم أطراف السودان واحداً بعد الآخر. وهكذا سيضمحل الوجود العربي، وسينكفئ في رقعة صغيرة في الخرطوم وما حولها.
إن السودان اليوم في محنة حقيقية، ولن يستطيع بمفرده أن يصمد أمام هذا الطوفان المحلي والغربي الذي يسعى إلى تفكيكه، وإنهاء الوجود العربي فيه، بل لا بد أن تستعيد مصر، وهي الجار القريب، دورها الريادي في المنطقة، فتقف إلى جانب السودان وتنصره، وتحول دون تفككه وتقسيمه، لأن الكارثة، إذا اكتملت في باقي السودان- لا قدر الله- فسوف تنتقل شمالاً، وغرباً فتطال مصر وليبيا. كما ينبغي على دول الجامعة العربية أن تساعد الحكومة السودانية، وأن تقدم لها الدعم المادي والمعنوي والسياسي في المحافل الدولية حتى تستطيع الصمود والمقاومة، وتحول دون تحقيق أطماع الانفصاليين في دارفور.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة