رغم كل الكلام حول الإرهاب والإرهابيين، فإن هناك ماُيشبه التردد في الذهاب إلى الأقصى في الوضوح والمباشراتية
رغم كل الكلام حول الإرهاب والإرهابيين، فإن هناك ماُيشبه التردد في الذهاب إلى الأقصى في الوضوح والمباشراتية بخصوص ظاهرة تفتُك بنا يومًيا على الأصعدة كافة. فالخطاب الإعلامي والثقافي والحقوقي لا يزال يمارس انفصاًما في المواقف وفي اللغة، وهو ما يستغله بعض المتواطئين لتمرير رسائل تبريرية للإرهابيين.
هناك تأرجح واضح حتى على مستوى السياسة الدولية، وأكبر خطأ بصدد الحصول هو التمييز بين المشاريع الإرهابية ووضعها تحت عنوان: الإسلام السياسي.
إن شأن الإرهابي القاتل الذي يستبيح الأبرياء ويقطع الرؤوس ويغتصب النساء هو شأن أكثر المجرمين إجراًما وخطورة. إنه مجرم وكفى. ومن الخطأ الجسيم الانخراط في توصيفهم كجماعات إسلامية أو راديكالية.
نحتاج إلى الصراحة والوضوح التام في مقاربة الإرهابيين وتوصيفهم. وهي مسألة مهمة جًدا ودقيقة لأنها ستسطر لنا ما يجب أن نقوم به ضدهم.
فالإسلام السياسي تمثله أحزاب معترف بها تعمل ضمن القانون والدستور، وملتزمة بما تلتزم به كل الأحزاب المنضوية في أي فضاء سياسي ما. أحزاب ذات مرجعية إسلامية تربط بين المقاصد الكبرى للدين الإسلامي الحنيف والقيم الإنسانية الكبرى. ولا يستطيع أي حزب سياسي إسلاموي أن يعمل وينشط في دولة ديمقراطية، إلا إذا كان قد خاض تجربة الاجتهاد ونجح في هضم روح القرآن ومعانيه ومشروعه الإنساني الذي جاءُيسًرا للناس.
بمعنى آخر، فإن الأحزاب الإسلامية معنية بإظهار كونية القيم الإنسانية وتقاطعاتها الجميلة العميقة مع قيم العقلانية والحرية وأهمية النفس البشرية والإنسان في صيغة المفرد.
هكذا تبدو لنا رهانات الأحزاب الإسلامية. وإذا كانت عكس ذلك، فهي شيء آخر ينتحل هوية ليست هويته. أما ما عدا ذلك فهم مجرمون بأتم معنى الكلمة: رأينا جريمة إبادة الأقباط في ليبيا على يد تنظيم داعش الإرهابي وقطع الرؤوس في العراق وسبي النساء والبنات الصغيرات واغتصابهن بوحشية لا تمت حتى لعالم الحيوان بصلة. جماعات بثت الرعب في كل مكان وأفسدت على المجتمعات العربية والإسلامية ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام العربي وقع في خطأ كبير عندماَقِبل اعتماد الاسم، الذي وضعه لنفسه «تنظيم الدولة الإسلامية». كان يجب عدم الوقوع بالفخ وترويج هذه التسمية التي لا صلة لها لا بـ«الدولة» ولا بـ«الإسلامية» ولا بـ«الدولة الإسلامية». ولا علاقة لها أيًضا بالمشروع السلفي باعتبار السلف الصالح لم يقطع الرؤوس ولم يغتصب النساء ولم يناِد بسوق لبيع النساء.
الذي تجب مناقشته بحدة وصرامة ووضوح أنه لا علاقة بما يرتكبه الإرهابيون بالإسلام في جميع تنويعاته. لا بد من أن يقوم الخطاب الإعلامي والسياسي الدولي والعربي بفك الارتباط بين ما يفعله هؤلاء المجرمون والإسلام، وإلا فإن الجميع متواطئ ضد الإسلام.
إن عملية فك الارتباط هذه مهمة رمزًيا وقانونًيا وثقافًيا وواقعًيا. ذلك أن الشائع اليوم أن ماُيسمى خطأ وبهتاًنا «تنظيم الدولة الإسلامية»، إنما هو تنظيم لديه مشروع اجتماعي ورؤية ماضوية وسلفية جهادية. وهو عين الخطأ رغم ما يعتري هذا الفهم الشائع من مؤاخذات. فالإرهابيون مجرمون لا صلة لهم إلا بالجريمة بدليل أن أخبارهم وأفعالهم تنحصر في حوادث التفجيرات والاستيلاء على آبار النفط وترويع السكان الآمنين وتخويفهم وقطع الرؤوس وإبادة الطوائف الدينية واغتصاب بنات لم تتجاوز أعمارهن العاشرة والرابعة عشرة، بكل ما يعنيه ذلك من استفزاز لذكورة العالم وإنسانيته.
إن اللغة خطيرة جًدا. ولقد أهملنا هذا الجانب وأضفينا المصداقية دون وعي منا على هذه التنظيمات الإرهابية، عندما تورطنا في التسميات التي اختارها هؤلاء الإرهابيون بقصد التمويه واستثمار الجاذبية الرمزية للإسلام.
وهو أخطر خطأ وقع فيه العالم. خطأ أنتج بدوره أخطاء كثيرة نرى ظلالها في النقاشات الحاصلة اليوم حول الإرهاب والإرهابيين، خصوًصا الإرهابيين الملثمين وغير المصنفين إرهابيين. وهنا نتساءل: ما الذي يجعل شخًصا مثل وجدي غنيم يصف الراحل العالم المصري الكبير أحمد زويل بالكافر دون أن يرتعش له لسان؟ أليس شعوره بأن ذلك مباح، وأنه لا قوة يمكنها كبحه؟
إن مشكلتنا الأساسية هي الاستهانة ببعض المواقف القوية الرمزية، والتقليل من معاني المواقف الصادمة. ذلك أن تصريح وجدي غنيم لا يقل بشاعة وخطورة عن الاغتصاب وعن التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي تحصل في أكثر من عاصمة ومن مكان.
بيت القصيد: لا بد من فك الارتباط بين الإرهاب والإسلام نهائًيا والتوحد إعلامًيا وسياسًيا في وصفهم بالمجرمين. وإذا كان مفهوم الإرهاب يعتبره البعض مفهوًما فضفاًضا، فإن مفهوم الجريمة واضح ودقيق. هم فقط مجرمون يستعملون الثقافة والدين دوافع لارتكاب جرائمهم، تماًما كما يوظف السارق بطالته وجوعه لسرقة أموال غيره وممتلكاته.
إنهم مجرمون وكفى. فهل يجب أنُنعدم جميًعا وُتغتصب نساء العالم كافة حتى نقتنع بذلك؟
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة