حاولنا أن نجاوب في المقال السابق عن سؤال كيف يفكر الإرهابي، فهو يفكر في البطولة الوهمية ويلبسها رداء الدين إلى جانب شعوره باحتقار الآخرين كافة حتى من عناصر التنظيم الإرهابي.
حاولنا أن نجاوب في المقال السابق عن سؤال كيف يفكر الإرهابي، فهو يفكر في البطولة الوهمية ويلبسها رداء الدين إلى جانب شعوره باحتقار الآخرين كافة حتى من عناصر التنظيم الإرهابي.
ولكن يظل هناك سؤال صعب آخر هو كيف يفكر الإرهابي الانتحاري؟
سعى عدد من المفكرين الغربيين إلى أن يلصقوا العمليات الانتحارية والفكر الانتحاري بالدين الإسلامي وذهبوا هنا وهناك في محاولة لإثبات فرضية أن الدين الإسلامي يحث على القتل والانتحار ووجدوا ضالتهم في كلام بعض من يرتدون بالزيف رداء الفقهاء في حديثهم عن الحور العين اللاتي ينتظرن الانتحاري وفتواهم الضالة عن اعتبار من يقتل نفسه في الجنة.
تبدو إجابة سؤال لماذا ينتحر الشباب هو المدخل الصحيح لاختراق عقل الانتحاري. فالإحصاءات العالمية تشير إلى ارتفاع معدلات انتحار الشباب في العالم. ووفقا للأرقام المتوفرة فإن الدول الغربية تتصدر قائمة الدول في معدلات الانتحار حيث تصل في بيلاروسيا إلى أكثر من 30 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة، وتصل في سويسرا الغنية إلى أكثر من 17 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة وفي اليابان بلغت النسبة 18 لكل 100 ألف نسمة.
السؤال، لماذا ينتحر مئات الآلاف سنويا في العالم؟ إجابة علماء النفس واضحة وتنبع أساسا من ظاهرة انتحار الحيتان، فالحيتان تنتحر بسبب اليأس نتيجة المرض وفقدان الإحساس بالاتجاهات. وهذه إجابة تنطبق على البشر، فاليأس بكافة أشكاله - وبغض النظر عن أسبابه - هو الفاعل الرئيسي وراء الانتحار في كل دول العالم اليأس المالي والوظيفي والعاطفي. والسبب الثاني فقدان البوصلة في الحياة لتصبح الحياة بدون اتجاهات ويكون الانتحار هو وضع نهاية لهذا التيه.
وبحسب علماء الاجتماع وعلم النفس فإن الملايين في العالم ترادوهم فكرة الانتحار والتخلص من حياتهم يومياً بسبب رغبتهم في عدم مواصلة الحياة نتيجة المعوقات بغض النظر عن حجمها وطبيعتها- التي يواجهونها يومياً في حياتهم أو نتيجة صدمة ما.. بل يرى بعض العلماء أنه لا يوجد فتى أو صبي أو شاب أقل من 18 عاماً لا تراوده فكرة الانتحار حال وفاة أحد والديه في سن صغير أو بشكل مفاجئ.
إن إجابة السؤال الصعب كيف يُصنع الانتحاري مدخلها الصحيح هو ما سبق، وليس مدخلها البحث عن تشويه الدين الإسلامي، فرسالة الإسلام جاءت بالأساس لتعلي قيمة التسامح وترسي قيم التعايش فنحن أبناء دين يبلغنا صراحة في آيته الكريمة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
إن عملية توجيه شخص يرغب في الانتحار إلى أداة قتل للآخرين باسم الدين يصبح التساؤل الرئيسي في هذا السياق، فهنا يظهر دور المكتشف والمحرض، بمعنى أن القائمين على التنظيمات الإرهابية يبحثون في أتباعهم عن الشخصيات المريضة فاقدة الاتجاه والبوصلة في الحياة والتي تكون أقرب للرغبة في التخلص من حياتها مثلها مثل الحيتان وآلاف الشباب في العالم الغربي. ويقوم هؤلاء المجرمون المحترفون بتعزيز الأمراض النفسية والشعور باليأس فيمن يستهدفونهم.
إن المجرمين من المحرضين يعززون أيضاً الشعور بالبطولة الوهمية واحتقار الآخرين لدى هؤلاء ويلبسونها رداء الدين، فينكرون فعلاً آيات ورسالة القرآن الكريم والدين الإسلامي الذي نص صراحة على الإنسانية وعدم الإيذاء في الآية الكريمة "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".
وفي المقابل، يقوم قيادات الإرهابيين بتغذية الشباب عبر مواقع التواصل المباشر أو الإنترنت بآيات وأحاديث شريفة منزوعة من سياقها وبتفسيرات ضالة وخارج رسالة الدين.
وهنا نكون أمام مشهد الانتحاري.. شخص يندفع لقتل نفسه كالحوت المنتحر، وهو يعيش وهم أن فعل الانتحار "المحتوم" سيجعله يربح نهاية سعيدة ولكن على حساب أرواح الآخرين. إنه مجرد رقم في عداد المنتحرين يومياً حول العالم ولكن منتحر قاتل يعززه خطاب الموت الذي يصنعه أصحاب فتاوى الشيطان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة