يعتقد الكثير من الناس، ومن النخبة ان سبب تأخر الدول العربية وتخلفها هو مجرد فقر في الوسائل العلمية، والتقنية
يعتقد الكثير من الناس، ومن النخبة ان سبب تأخر الدول العربية وتخلفها هو مجرد فقر في الوسائل العلمية، والتقنية، لكي يتهرب من الاعتراف بأنه فقر في التعليم، والتنمية وفقر في احترام الانسان، وشيوع الفساد، في كل مرافق الدولة مضافا اليه انحراف مدمر حين يستخدم الدين كمخلب قط لمواجهة التقدم والنهضة والتحديث والعلوم، وقطع شريان الافكار الجديدة، وابتكار المستقبل، وحق المجتمع، والانسان في الحرية والمساواة والعدل، والحق في التغيير، وابتكار المستقبل بدل الاستبداد، والتعصب والالغاء والاقصاء، ومصادرة الحوار، والرأي الاخر مرورا بعدم فرض القيود للمختلف في متابعة الكلمة الحرة والتمتع بإشاعة الحركة الثقافية والفنية والفكرية بينما نرى الانسان في الدول الناهضة منطلقا في الالفية الثالثة منقبا وباحثا في الفضاء والثورة العلمية، والمعلوماتية حتى وصلنا بالتبشير بالعولمة التي تفرغ هويتنا وتجعلنا اسرى ثقافات وافكار واذواق اخرى تضج بها دولنا بلا معرفة بدلالاتها فالصحافي الاميركي المعروف توماس فريدمان يلخص لنا هذه العولمة حين يقول: ان السيارة الليكساس وشجرة الزيتون رمزان جيدان لتناقض العالم فسيارة الليكساس الفاخرة هي رمز التقدم العلمي، والرفاهية وتمثل سعي الانسان لمزيد من التقدم، والتحديث، والتقنية بينما شجرة الزيتون فهي تعني الجذور والأصالة والانتماء والتمسك بالأرض والعادات والتقاليد والتراث والذاكرة فهي تعني دفء العائلة، وبهجة التفرد والاعتزاز بالنفس اما السؤال المركزي الذي يطرحه فريدمان هو: كيف نوفق بين الاحساس بالوطن والانتماء للهوية، وبين السعي نحو الرقي والتقدم والازدهار والتحديث في ظل العولمة؟ وبهذا الصدد يحاول فريدمان اقامة تناقض مصطنع بين السعي نحو الرقي والازدهار، والتحديث وتذويب الهوية والانتماء، والتراث في اطار العولمة من ناحية اخرى فهو يرى ان الانخراط في العولمة لابد من دفع اي ثمن وهو الطريق الوحيد للتقدم والتحديث وقد يكون التوازن بين الاثنين قضية ممكنة فنظام العولمة الذي يبشر به له جهاز خاص من الشرطة يرصد الذين لا ينصاعون انصياعا كاملا لقوانين العولمة ويبادرون بعمليات العرقلة الاقتصادية اللازمة ولابد ان يقطع عنهم النور والمياه ليعيقوا مسيرة التنمية بالشروط الوطنية فتصبح وكالات التقييم الدولية تحل محل المخابرات في تأديب الحكومات والبلدان في العالم الثالث بل واسقاطها عند اللزوم، فمراعي العولمة تتمثل بكتاب الفه فريدمان عام 1999 ومقولته ان العولمة ليست اختيارا بل انها حقيقة واقعة ولا يوجد سوى سوق واحدة التي تستطيع ان تنمو بها البلدان بسرعة السيارة الليكساس وهي الانفتاح على اسواق الاسهم، والسندات بالسعي الى الشركات متعددة الجنسية وتلك السوق العالمية هي في تقديره قطيع الكتروني من المستثمرين متعددي الجنسية ومجهولي الهوية في الاسهم والسندات والعملة متصلين ببعضهم البعض بالشاشات والشبكات وان مراعي القطيع حسب ذلك التاريخ 180 دولة ولذا فالمطلوب المزيد من فتح الابواب، والاسواق والحدود امام هذا القطيع الالكتروني.
وحين نسأل هذا الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط عن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وكيفية حل الصراع وعملية السلام متوقفة، وكيف تندمج الدولة الصهيونية في العولمة فجاء جوابه لمحافظ البنك الاسرائىلي: على اسرائيل ان تتحول سريعا عن سياساتها الاقتصادية القديمة التي كانت تقوم على تصدير البرتقال، والمنسوجات القطنية الى اقتصاد التكنولوجيا المتقدمة، وفعلا هذا ما فعلته الدولة الصهيونية في العقود الاخيرة وجعلتها اقل ضعفا امام السياسات العربية، وابتكرت وانتجت الكثير من ادوات التكنولوجيا الدقيقة والحربية في معهد تكيون حتى غدا كثير من الدول تخطب ودها امام العالم العربي فضاع في خصوماته وتقاليده البالية، وحروبه العبثية والعدمية ودفع عقول ابنائه النابغة الى الهجرة الى دول العالم ولم تعد لهذه الدول العربية المأزومة والمتناحرة ما تقدمه للعالم سوى الايدي الرخيصة، والبترول، والانظمة الاستبدادية والفقر والبطالة واهانة كرامة الانسان وهنا تقع المسؤولية على مسؤولينا ومثقفينا ان يقفوا ولو لمرة واحدة امام ضمائرهم ويحللوا اوضاعنا المزرية وان يتخلوا عن انانياتهم وينزلوا لشعوبهم ويدرسوا اسباب التخلف ويكشفوا ما فعلته الاصولية والاسلام السياسي من فتن واحتراب وتعصب وارهاب فلا بد من القاء الضوء على مكامن ضعفنا ولابد أن نعطي العقل مساحته القصوى ليبدع ويزلزل الوثوقية والطمأنينة والغيبوبة حيث الحياة معطف الشمس، والتراب قدم فيه كثير من الضياء حيث يمشي الماضي والحاضر والمستقبل بين العيون والعقول مشي الغيوم حول القمر.
نقلًا عن صحيفة السياسة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة