تقف ليبيا بعد اتفاق الصخيرات فى مفترق طرق:إما أن يتغلب معسكر السلام وينضم إليه آخرون أو تندلع معارك أكثر دموية
تقف ليبيا بعد اتفاق الصخيرات فى مفترق طرق:إما أن يتغلب معسكر السلام وينضم إليه آخرون وينزوى المعارضون فى ركن ويتفرغ الجميع لمواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، أو تندلع معارك أكثر دموية بين المؤيدين والمعارضين، وتتفاقم حالة الشلل القائمة أكثر فينتهز داعش والقاعدة الفرصة لتوسيع رقعة نفوذهما ويستفحل أمرهما وينفذان تهديداتهما لدول الغرب والجوار. الأمر سيتوقف على مدى تحلِّى القادة الليبيين،سياسيين وعسكريين،بالمسئولية والحكمة بوضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار، وعلى مدى جدية حكومات الدول الكبرى والمجاورة فى تنفيذ التزاماتها بدعم الحكومة المقرر تشكيلها، وكذلك تهديداتها للجماعات والأشخاص المعرقلين لتطبيق الاتفاق.
الاتفاق يتضمن خطوات لحل الأزمة من بينها تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود ليبيا إلى انتخابات برلمانية فى غضون عامين ووقَّعت عليه وفود من مجلس النواب المعترف به دولياً فى طبرق ونواب منشقين عنه والمؤتمر الوطنى العام (البرلمان) المنتهية ولايته فى طرابلس العاصمة وشخصيات مستقلة.وبينما قال رئيس وفد البرلمان محمد شعيب إن الذين حضروا حفل التوقيع يشكلون أغلبية أعضاء المجلسين ويمثلون كل أطياف الشعب وأعلن صالح المخزوم رئيس وفد المؤتمر أن المرحلة الصعبة التى تمر بها البلاد حتمت على كل الأطراف الموافقة على الاتفاق بصورته الحالية رغم وجود نقاط خلاف، إلاَّ أن عقيله صالح رئيس البرلمان ونورى أبو سهمين رئيس المؤتمر عارضا الاتفاق ورفضا الحكومة بالشكل المنصوص عليه فيه قائلين إن الذين وقَّعوا عليه لا يمثلون إلاّ أنفسهم وطالبا بتنفيذ اتفاق المباديء الذى توصل إليه ممثلوهما فى تونس بغير وساطة الأمم المتحدة.
المثير للدهشة والعجب أن هذين المسئولين الكبيرين اعتبرا تشكيل الحكومة وفقاً لاتفاق الصخيرات تدخلاً خارجياً مرفوضاً فى الشأن الداخلى الليبى ويتعارض مع الكرامة الوطنية لأنه لم يأت نتيجةً لحوار ليبي/ ليبى وكأن الذين وقَّعوا عليه كائنات هبطت من الفضاء وليسوا ليبيين ظلوا يتفاوضون 15 شهراً تحت مظلة الأمم المتحدة فى المغرب والجزائر وتونس!. فكيف كان الحوار الليبي/ الليبى سينجح بغير الأمم المتحدة، بينما المتفاوضون رفضوا على مدى جولات عديدة مجرد الجلوس على مائدة واحدة وانقطعت أنفاس الوسطاء الدوليين فى التنقل بينهما لإطلاع كل منهما على وجهة نظر الآخر؟،ولماذا لم يعتبروا وساطتها من البداية تدخلاً مرفوضاً فى الشأن الداخلي،وما الفرق بين حكومة وحدة وطنية فى اتفاق الصخيرات وحكومة بالإسم نفسه فى إعلان مباديء تونس طالما أن هدفها واحد والمدة الانتقالية واحدة؟. ألا يدعو للريبة أن رئيسى المجلسين لم يتفقا على شيء قطت طوال فترة الأزمة وعندما اتفقا جاء اتفاقهما برفض اتفاق الصخيرات الذى حظى بتأييد الغالبية بالداخل والجميع بالخارج؟،فهل خشيا أن يفقدا السلطة والنفوذ فى النظام الجديد؟.
طريق تنفيذ الاتفاق ليس مفروشاً بالورود،فرغم توقيع ممثلى الأغلبية عليه ودعم أطراف مسلحة قوية مثل ميليشيا مصراتة ووقوف الدول الكبرى ودول الجوار بقوة فى وجه الرافضين إلاّ أن رفضه من جانب عقيله وأبو سهمين وحلفائهما والمفتى المعزول الصادق الغريانى وقيادات إسلامية متشددة فى الجماعة الإسلامية المقاتلة بقيادة عبدالحكيم بلحاج العائد من أفغانستان وكتلة تُدعى المجلس المؤقت لملتقى الوفاق الوطنى فى برلمان طبرق تجعل تنفيذه بطيئا وربما مستحيلا إن لم يغيِّروا كلهم أو بعضهم موقفهم.ويعقِّد الموقف أكثر الجماعات المسلحة غير المحسوبة على الطرفين التى من المتوقع أن تطلق العنان لأفرادها لمحاربة الحكومة الجديدة وإفشال مهمتها، فضلاً عن الجماعات المرتبطة بشخصيات سياسية رافضة للاتفاق والتى من غير المستبعد أن تشهر السلاح فى وجه الحكومة دفاعاً عنهم أو للحصول على مكتسبات سياسية ومادية وضمانات بعدم توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لأى من أفرادها.
ومع ذلك هناك ما يدعو للتفاؤل الحذر حيث أيَّد الاتفاق أيضا عبدالرءوف كاره قائد قاعدة معيتقة العسكرية القوية فى طرابلس وتعهد بحماية الحكومة المنتظرة لدى عملها من العاصمة، وحمَّل عبدالرحمن السويحلى أحد أبرز قادة تحالف فجر ليبيا الداعم للمؤتمر رئاسته مسئولية استمرار انقسام ليبيا وتوعَّد بمحاسبة رئيسه أبو سهمين لعرقلته التوافق الوطني، وهدد بلقاسم قزيط عضو المؤتمر بمحاسبة كل مَن يتلكأ فى تأييد الاتفاق من أعضاء المجلس،وحتى حزب العدالة والبناء الإخوانى أيد الاتفاق وأدان تصرفات قيادة المؤتمر. كل هذا يُضعف موقف أبو سهمين والرافضين الذين لم يعد يدعمهم سوى ميليشيات تنضوى تحت لواء ما يُسمى المجلس الأعلى لثوار ليبيا ومجالس الشورى فى طرابلس ومدن مثل صبراته والزاوية وإجدابيا وبنغازى ودرنة مما قد يدفعهم للتخلى عن معارضتهم أو تخفيفها.
فى ضوء ما سبق يحتاج تنفيذ الاتفاق إلى محاولات جادة لإقناع الرافضين بالتخلى عن معارضتهم أوعلى الأقل التزام الحياد وإلى استمالة شيوخ القبائل والتصدى بحزم لمثيرى القلاقل والمحرضين على العنف ودعم الحكومة ماديا وعسكريا من الخارج ولو بمستشارين عسكريين ومدربين لإعادة بناء الجيش والشرطة ورفع الحظر عن توريد السلاح للجيش الوطنى وملاحقة عناصر داعش والقاعدة ومنع إعاقتهما عمل الحكومة أو التحالف مع الذين يبقون على رفضهم للاتفاق وقطع الاتصال تماما بأى كيان يعارض الحكومة الشرعية.
*ينشر هذا المقال في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة