نازحو الأنبار لـ"العين": العودة لأنقاض بيوتنا أرحم من ذل المخيمات
فرحة بتحرير الرمادي العراقية.. واجترار الذكريات
نازحون من الأنبار قالوا لـ"العين" إن العودة لأنقاض بيوتهم المهدمة بعد تحرير الرمادي من سيطرة داعش أرحم من العيش في ذل المخيمات
قال نازحون من محافظة الأنبار الاستراتيجية غربي العراق، والتي كانت معقلا رئيسيا لتنظيم داعش لبوابة العين الإخبارية: إن العودة لأنقاض بيوتهم المهدمة في المحافظة أرحم من العيش في ذل المخيمات.
فالقنوات التلفزيونية المحلية العراقية التي كانت تنقل احتفالات الجيش بتحرير مدينة الرمادي المدينة الاستراتيجية غربي العراق في بث مباشر، لم تستطع تجاهل نقل صور أنقاض البيوت، والركام الذي يملأ الشوارع، والأسطح التي تحولت إلى منصات للقتال ومتاريس وأكياس رمل، من مشهد الاحتفالات بتحرير عاصمة المدينة.
المشهد يصبح أكثر مأساوية كلما اتسعت عدسات الكاميرات لترصد صورة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار التي تحولت تحول إلى ساحة حرب ودمار وخراب، فلا توجد مدارس، ولا مستشفيات، ولا كهرباء، ولا مياه، ولا بنى تحتية، ولا أدنى خدمات بالإمكان الاستعانة بها من أجل إعادة النازحين من المحافظة إلى منازلهم.
المشهد على عكس ذلك في بغداد، حيث رقص أهل الأنبار النازحين هناك وهزجوا حتى الصباح، العوائل التي تسكن في مخيمات على أطراف العاصمة العراقية القصية، تعيش الفرحة لأول مرة منذ ما يقرب العامين على تهجيرها قسريا وإجبارها على ترك بيوتها حتى تصبح المدينة ساحة معركة.
ومنذ ذلك الوقت وهم يعيشون في مخيمات لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، بلا راتب، بلا غذاء ولا دواء، بلا أمل، فيما توفي العشرات من الأطفال والشيوخ والنساء في تلك المخيمات بسبب البرد أو الحر أو نقص الخدمات، ولا يزال المئات من العوائل عالقين على جسر بزيبز الرابط بين بغداد والفلوجة ( أحد أقضية الرمادي) في ظروف تفتقر لأبسط مقومات الإنسانية.
ولكن الجميع نسوا أحزانهم بالأمس وفرحوا بتحرير مدينتهم، تقول السيدة أم خطاب، النازحة من الأنبار مع عائلتها المكونة من سبعة أفراد، لبوابة "العين" الإخبارية؛ إنها استأجرت بيتا في بغداد بمبلغ 800 ألف دينار عراقي (650 دولار)، وزوجها يعمل شرطيا في الأنبار براتب يقترب من إيجار المنزل، أما حياتها وحياة عائلتها فكانت تؤمنها من مساعدات الجيران الذين وقفوا معها في محنتها.
وتضيف أم خطاب: "نملك بيتا واسعا في الأنبار مساحته 600 متر ونعيش بشكل مريح، لكنني الآن لا أستطيع تأمين متطلبات أطفالي الذين أعجز أحيانا عن شراء علبة حليب أو وجبة فطور لهم".
حال أم خطاب يشبه حال المئات من العوائل التي تمكنت من دخول بغداد ومحافظات أخرى والإقامة فيها، لكن إيجارات المنازل أنهكت العوائل وجعلت تأمين حياتهم ومعيشتهم من أصعب التحديات، وهم يأملون بالعودة إلى مدينتهم وإلى بيوتهم بأسرع وقت حتى ولو كانت أنقاضا، لأنهم يشعرون أن بيوتهم هي المكان الأفضل مهما كانت ظروفها وأوضاعها.
وفي تصريح لـ"العين" قال سفيان العيثاوي، مستشار الحكومة المحلية في الأنبار والمتحدث باسمها: إن البنى التحتية في المدينة مدمرة بنسبة 80%، فلا توجد مدارس ولا جوامع ولا مستشفيات صالحة للاستخدام، كما أن الجسور هدمت بالكامل ولا يوجد أي جسر صالح للاستخدام.
وأضاف بأن عناصر داعش قاموا بسرقة الأسلاك الكهربائية ومحولات الكهرباء، وقاموا بنقلها إلى خارج المحافظة، والمستشفيات خالية من الأجهزة الطبية.
وبخصوص الوضع الانساني أكد العيثاوي، أن آخر ما وصله من تطورات أمنية وإنسانية هو قيام داعش باقتياد عائلة مكونة من نساء وأطفال وشيوخ كبار السن، تحت تهديد السلاح، بعد أن قاموا بجلد النساء بالسياط واقتادوهم كرهائن باتجاه منطقة الصوفية، التي لا تزال تحت سيطرتهم.
في إحدى مخيمات النازحين على أطراف بغداد، تلتحف عشرات العوائل مخيماتها الغاطسة بمياه الأمطار والأوحال والمياه الآسنة، وفي بطون كل خيمة تسكن عائلة بأطفالها ونسائها وشيوخها ورجالها، بعضهم من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، كالطفلة عائشة ذات السنوات الأربعة، التي تحتاج أسبوعيا إلى علاج فيزياوي، تقول والدتها: إنهم تركوا علاجها في زحمة تهجيرهم وابتلائهم بتدبير أمور حياتهم الأخرى.
على مقربة منهم تسكن السيدة حسيبة، امرأة في الستينيات من عمرها، فقدت زوجها وأولادها الاثنين في معارك الأنبار، ونجت ببناتها الأربعة لتصل إلى هذا المخيم، تقلب الأيام والليالي على ذكريات بيتها الذي كان عامرا بعائلتها.
وتقول حسيبة لـ"العين": إن زوجها قتل في القصف العشوائي، وأحد أولادها قتل على يد داعش أثناء اقتحامهم المدينة، والآخر كان مقاتلا في الحشد العشائري يدافع عنا، والاثنان متزوجان ولديهما أطفال، وقد غادرت زوجاتهم بالأطفال إلى أهلهم في محافظة أخرى، لأن ظروف المعيشة هنا لا تساعد على تريبة الأطفال.
أما الشابة ( م. خ ) فهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، زوجها كان مقاتلا في الشرطة، وقد قتل في تبادل نيران بين الجيش العراقي ومقاتلي داعش، قبل أن تتمكن هي من الهرب بأطفالها مع جيرانهم الذين نقلوها بسيارتهم إلى خارج المدينة.
تقول لـ"العين": إن زوجها قتل على مقربة منها، وبقيت جثته مرمية على الطريق الترابي، لكن لم يتمكن أحد من نقل جثته أو دفنها، تقول: "طلبت من جيراني البقاء لأدفن جثة زوجي، لكنهم رفضوا حفاظا على سلامتي وسلامة أطفالي".
وتضيف: إن "تحرير الرمادي أعاد لي الأمل بحياة جديدة لأطفالي، أشعر أن دم زوجي لم يذهب سدى" سأعود وأبدأ بتأسيس حياة لأولادي".
الرجال في المخيم كانوا يتهيؤون لحزم أغراضهم والعودة إلى البيوت المهدمة في الرمادي، يقول السيد مثنى: "نحن مدنيون وأبرياء. ولا دخل لنا بالسياسة أو الحروب أو الصراعات".
ويضيف: "هناك جهات خارجية وداخلية جعلت منا وسيلة لتنفيذ مخططات وأجندات، كنا نعيش بسلام وخيرنا وافر، نعمل ونعيش ويذهب أولادنا للمدارس، الآن أـصبحنا مهجرين في بلدنا".
ويقول زميل له طلب عدم ذكر اسمه: "لقد مللنا الجلوس والانتظار، حيث لا عمل لنا سوى سماع الأخبار عن تطورات الأوضاع الأمنية في المدينة، واجترار الذكريات، وما آل إليه حالنا بعد أن كنا نعيش في فسحة من العز والرفاهية.
ويضيف: "يقوم مجموعة من الرجال بالتناوب على طبخ وجبة الغداء والعشاء يوميا في مطبخ من الألواح الحديدية قمنا بتصنيعه داخل المخيم، من أجل إعداد وجبات الطعام لكل النازحين".
وتجمع كل العوائل في هذا المخيم على الرغبة في العودة إلى المدينة مهما كان حالها، تقول السيدة (أم ماجد): "سأعود إلى بيتي حتى لو قمت ببناء غرفة واحدة أنام تحت سقفها، نريد العودة بأسرع وقت، تعبنا من البقاء هنا، بيوتنا هي الأفضل بالنسبة لنا".
وفي العودة إلى السيد سفيان العيثاوي، وسؤاله عن إمكانية عودة المهجرين إلى بيوتهم، قال: إن "عودة الناس تتم في حال توقيع العمليات المشتركة على أن المدينة خالية من الإرهاب سيتم حينها تسليمها للجنة الأمنية في محافظة الأنبار، وبعدها سنقوم بتأهيل المناطق بالخدمات، مثل الماء والكهرباء".
aXA6IDEzLjU5LjIwNS4xODIg جزيرة ام اند امز