تركت صحيفة واشنطن بوست مفتوحة على مقال حول روز حميد التي حضرت مؤتمرًا انتخابيًّا للمرشح ترامب للاحتجاج على ما يقوله ضد المسلمين
تركت صحيفة واشنطن بوست مفتوحة على مقال حول روز حميد السيدة المسلمة التي حضرت مؤتمرًا انتخابيًّا للمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب للاحتجاج على ما يقوله ضد المسلمين، فتم طردها من المؤتمر وسط صيحات عدائية، كان هذا هو الموضوع الذي قررت أن أكتب عنه، لكني عند عودتي وجدت ابنتي سارة ذات السنوات العشر قالت لي، إنها قرأت المقال، أصابني كلامها بشعور قوي بالإشفاق والإحباط. الإشفاق لأن قدَر ابنتي التي ولدت وعاشت في أمريكا أن تسمع وتقرأ كلامًا مشينًا بحق الإسلام والمسلمين، وأن تدرك وهي لاتزال تستشرف معني الحياة من حولها أن هويتها ليست مُرحّباً بها لدي طوائف داخل الوطن الذي لا تعرف غيره، أما الإحباط فكان لشعوري بالعجز عن حمايتها من تلك المشاعر العدائية التي أراها للأسف في ازدياد لأسباب كثيرة، فقد فتحت التليفزيون لأري الموضوع الرئيسي عن الرجل الذي أطلق النار على ضابط بوليس في سيارته قائلًا، إنه فعل ذلك باسم الإسلام واتباعًا للقرآن، تحولت إلي شبكة فوكس نيوز، فكان الموضوع عن اللاجئين المسلمين الذين تحرشوا جنسيًّا بمئات الفتيات ليلة رأس السنة في ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية.
عندما يكون ذلك هو المناخ المحيط، فإنني أخشي أنها مسألة وقت قبل أن تتحول لغة العداء للمسلمين إلي عمليات حقيقية ضدهم، فهذا تطور طبيعي يساعد عليه استمرار السلوكيات الحقيرة باسم الإسلام، ثم محاولة استغلالها من قبل البعض مثل دونالد ترامب وغيره من السياسيين وقادة الرأي للاستفادة من مشاعر الخوف الطبيعية لدي الناس في اكتساب الشعبية وحشد التأييد.
سألتُ ابنتي عن رأيها فيما قرَأًت، لم يكن لديها ما تقوله سوي إحساس بالدهشة البريئة لتعرض تلك السيدة لذلك السلوك الهمجي من المئات من الأشخاص الذين طالبوا بطردها من المؤتمر الجماهيري لترامب لمجرد أنها وقفت صامتة احتجاجًا على قوله، إن اللاجئين السوريين من المرجح أن يكونوا من القاعدة أو داعش. قلت لها، وكأني أُعدّها لما قد تراه بنفسها يومُا ما: إنني معجب بهذه السيدة، فهي قوية وقادرة على مواجهة مشاعر الغضب والكراهية بأسلوب متحضر ومسالم، لقد ذهبت وهي ترتدي تي شيرت عليه عبارة: "سلام.. جئت في سلام" وعندما خرجت من المؤتمر الجماهيري لم تحمل مشاعر سلبية حتي ضد أولئك الذين تحرشوا بها لفظيًّا، فقد تحدثت إلى وسائل الإعلام، وأشارت إلى أن كثيرًا من المحيطين بها كانوا في قمة الذوق والأدب معها، وتبادلوا المشروبات والفيشار (بوب كورن) ، وعند خروجها اعتذروا لها عما تعرضت له، بل إنها وهي تتحدث إلي شبكة سي إن إن عندما سألها المذيع دون ليمون: ولماذا ذهبت إلي "هؤلاء الناس"؟ جاء ردها مدافعًا عنهم، وقالت، إنها ترفض أن يُشار إليهم بهذا الشكل وإنهم في الأساس "ناس طيبين"، ولكن هذا ما يحدث عندما يتردد حديث الكراهية بين الجماهير كما يفعل ترامب. كان كل ما تريده روز حميد هو أن يري الكثير من الحضور سيدة مسلمة محجبة مسالمة ،فهم ربما لم يلتقوا بشخص مسلم في حياتهم.
الغريب أن دونالد ترامب نفسه تحدث بعد خروجها من المؤتمر عن الكراهية، لكنه كان يقصد بالطبع تلك الموجهة من المسلمين إلي أمريكا، وليس تلك التي يتنفسها ليل نهار في وسائل الإعلام والمؤتمرات الجماهيرية في انتهازية واضحة لرجل أعمال صنع الملايين من عمله مع المئات من المسلمين، وأنقذه أحدهم مرة من الإفلاس، بينما يجد الآن في حديث الكراهية ضدهم مكسبًا انتخابيًا يتمسك به.
لكنني كنت قبل ذلك أحاول أن أقف محللًا بشكل موضوعي قدر الإمكان للسلوك السياسي له ولغيره من الشخصيات الكريهة، التي تروج الآن للخطاب الداعشي ولكن بلهجة أمريكية، كنت دائمًا أحاول أن أنزع نفسي ومشاعري الشخصية في قراءة ما أراه، أما الآن فإنني أقولها بدون تردد، إنها أصبحت مسألة شخصية، كيف لا وأنا أرى طفلة تواجه حياتها ومستقبلها محاصرة بين إسلاميين إرهابيين يشوهون دينها وعقيدتها ونبيها من ناحية، وبين آخرين يستغلون ما يحدث لنشر حديث الكراهية ليس ضد الإرهابيين، ولكن ضد كل من له علاقة بهذا الدين، هؤلاء لا يعبرون عن أمريكا التي أعرفها منذ ربع قرن، ومازلت مقتنعًا أن لغة التسامح ستسود في النهاية، لكن الأمر سيستغرق وقتًا للأسف مع استمرار تلك الظواهر الداعشية باسم الإسلام ومن يستغلها هنا.
أشفق عليك يا بُنَيتي؛ لأني لا أعلم كيف ومتي ينتهي هذا الكابوس؟ كل ما أرجوه أن تكوني مستعدة نفسيًّا لمواجهة هذا العالم القاسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة