أثار الرسم الذي نشرته أسبوعية «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة أخيراً، كثيراً من الجدل والانتقاد اللذين لم يقتصرا على السوريين فحسب
أثار الرسم الذي نشرته أسبوعية «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة أخيراً، كثيراً من الجدل والانتقاد اللذين لم يقتصرا على السوريين فحسب، بل شاركت فيهما الصحافة الغربيّة بدورها.
وقد ظهرت فيه مجموعة من اللاجئين يلاحقون امرأة أوروبيّة وفي الأعلى رُسمت صورة للطفل السوري آيلان، الذي غرق السنة الماضية أثناء محاولته ركوب البحر مع عائلته والهروب إلى أوروبا.
وقد أضيف تعليق مفاده أنّ آيلان لو لم يغرق وقُدّر له أن يعيش لكان مثل هؤلاء اللاجئين، أي متحرّشاً بنساء أوروبا، وذلك في إشارة إلى أحداث مدينة كولونيا الألمانية واتّهام اللاجئين، وبينهم سوريون بطبيعة الحال، بجرائم اغتصاب ضدّ فتيات ألمانيّات ليلة رأس السنة.
ولم يقتصر استياء السوريين من الرّسم، وهو استياء مبرّر وبديهي في كلّ حال، على جمهورهم العاديّ، بل تجاوزه ليصل إلى المثقفين والناشطين الذين تبنّى معظمهم التفسير ذاته للرّسم، في دلالة على سوء تفاهم عميق وتسرّع في اتّخاذ المواقف في أضعف الأحوال.
فالعارف بسياسة الأسبوعية الساخرة ومواقفها يدرك جيّداً أنّها لا يمكن أن تتبنّى هذا التفسير، ذاك أنّ رسومها تتّبع أسلوب الصّدمة وتُصوّر مواقف اليمين المتطرف الفرنسي، في رغبة واضحة لفضح عقليّته العنصريّة وأفكاره النمطية.
وغالباً ما تكون شخصياته المتطرفة والمثيرة للجدل ضيوفاً دائمين لمقالاتها ورسومها، كروبير مينار، عُمدة مدينة بيزييه الذي صدم الرأي العام الفرنسي في مقطع فيديو يظهر فيه وهو يطرد لاجئين سوريين من مدينته، الأمر الذي جعل فئة كبيرة من الفرنسيين تقوم بتحوير اسمه ليصبح شتيمة سوقيّة. هذا إضافة إلى نادين مورانو، النائب في البرلمان الأوروبي والوزيرة السابقة والعضو في حزب الجمهوريين بزعامة ساركوزي، التي نالت نصيبها من السخرية بعد تصريحاتها العنصريّة ضدّ المسلمين.
وفي عدد الجريدة الأوّل لهذه السنة، الذي أتى بطبعة استثنائية لمناسبة مرور عام على الاعتداء الذي تعرّضت له، نشرت رسماً ضمّت فيه كلّ الشخصيات التي تعتبرها مصدراً للشرّ، من طُغاة ورجال دين، وكان من بينهم بشار الأسد، في دلالة واضحة على رأيها فيه وفي ما يحدث في سورية، علماً أنّها تتوجّه إلى القارئ الفرنسي بالدرجة الأولى، وبذلك يبدو واضحاً مقصدها في رسمها الأخير: اليمين المتطرف يتمنّى أن يموت كلّ اللاجئين السّاعين الى الهروب إلى أوروبا.
على أنّ ردّة فعل المثقفين السوريين على هذه الحادثة تشير إلى دلالات مختلفة في آن واحد.
فعدا الحساسية المفرطة وتغليب العاطفة، بدا واضحاً تغليبهم رؤية واحدة وثابتة عن الصحافة الغربية من دون تمييز بين أنواعها، التي تختلف وفق البلدان وطبيعة الجمهور المُستهدف.
وهي رؤية سلبيّة في الغالب الأعمّ، تتقاطع مع المزاج النفسي التقليدي المعادي للغرب والمكرّس لسيكولوجيّة المظلوميّة، وبهذا يكون موقف هؤلاء أقرب الى المزاودة على مواقف واضحة ومعلنة، ما قد يجعلهم يخسرون منبراً مؤيّداً لقضيّتهم، بخاصّة أنّ من بينهم من يقيم في فرنسا منذ سنين طويلة، ومن لجأ إليها أثناء الثورة السوريّة.
فموقفهم السلبي يشير إلى ازدواجيّة عند القدامى، وإلى عدم قدرة الجُدد على فهم الوسط الثقافي الفرنسيّ ومن ثمّ الاندماج فيه، إذ يعوّض عن ذلك بالانخراط ضمن الشّلل والمجموعات الضيّقة والمغلقة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة