فضح البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف جوانب من الخلل في بعض وسائل الإعلام المصرية
فضح البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف جوانب من الخلل في بعض وسائل الإعلام المصرية، مما سبق للقيادة السياسية نفسها أن نبهت إليه واستنكرته في أكثر من مناسبة. فقد وضع هذا البيان الرأيَ العام في مصر، وفي العالم العربي الإسلامي بصورة عامة، أمام أشكال من الممارسات المنحرفة التي يتورط فيها الإعلام الذي لا يلتزم أخلاقيات المهنة، فيساهم بذلك في تضليل الرأي العام، وإثارة البلبلة. فقد جاء في هذا البيان الذي يعدّ مبادرة جريئة من هيئة كبار العلماء، أن الأزهر الشريف يتعرض لحملة شرسة وصلت إلى تحميله مسؤولية العنف العشوائي واستخدام القوة لفرض الآراء، بل تجاوزت الحملة ذلك إلى تجريح ثوابت الإسلام، والطعن في التراث الفكري والحضاري الذي جعل من أمتنا العالمَ الأول على ظهر هذه الأرض، لأكثر من عشرة قرون، والذي استلهمته أوروبا في بناء نهضتها الحديثة، وفق عبارات البيان.
وقال البيان أن هذه الحملة التي وصفها بأنها ظالمة، تزامنت مع بروز ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب حتى لكأنهما جناحان لنزعة كراهية الإسلام، وتزييف صورته. وانتهى البيان إلى القول أن الأزهر اتخذ من حراسة الشريعة وعلومها، والعربية وآدابها، وهما جماع هوية الأمة، رسالته المقدسة التي رابط علماؤه على ثغورها منذ ما يزيد عن ألف عام، وأن الأزهر بلسان هيئة كبار العلماء، سيظل كما كان العهد به على مر تاريخه، الحصن الحصين لتراث الأمة وهويتها الحضارية. والجدير بالملاحظة أن هذا البيان من هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، التي يرأسها شيخ الأزهر نفسه الدكتور أحمد الطيب، هو الأول من نوعه منذ أن نشبت الأزمة في مصر التي طالت ولا يعرف أحد متى ستنتهي. فلقد كانت للأزهر مبادرات سياسية أقدم عليها خلال المرحلة التي لحقت أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، كان محورها توحيد الصف من خلال طرح أفكار تجتمع حولها النخب الثقافية والفكرية والقيادات السياسية والإعلامية، انبثقت من نقاشات متشعبة أدارها شيخ الأزهر. لكن تلك المبادرات كلها أخفقت، ولم يبق لها تأثير في المشهد السياسي. وتوالت الأحداث وكان ينتظر أن يكون للأزهر قول صريح فيها أو موقف واضح إزاءها، إعمالاً للدستور الذي جعل للأزهر القوامة والوصاية على الشؤون ذات العلاقة بالمقدسات الدينية وبالخصوصيات الروحية والثقافية للدولة المصرية. لذلك، فإن صدور هذا البيان عن أعلى مؤسسة دينية في مصر، وفي هذا الوقت بالذات، أمر ينبغي أن يوضع في سياق التطورات المتلاحقة التي يتميز بها المشهد السياسي، خلال هذه المرحلة الحرجة والدقيقة.
إن النقد الموجّه أساساً إلى بعض وسائل الإعلام، خصوصاً إلى عدد من الفضائيات المصرية التي لا تراعي حرمة للدين الحنيف، حين تفسح في المجال أمام نفر من الغلاة الاستئصاليين للهجوم على الإسلام والطعن في المقدسات الإسلامية والرموز الدينية والشخصيات المعتبرة في تاريخ الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية من دون رادع، هو في الواقع قيام بالواجب الذي يناط بمؤسسة الأزهر، وأداء للمهمة الموكلة إليها. فدور الأزهر في هذه المرحلة التي يتصاعد فيها الهجوم الطائفي على المسلمين من السنّة والجماعة، لا يخص مصر فقط، فهذه المؤسسة العلمية الثقافية الدينية الكبرى ليست لهذا البلد دون غيره من بلدان العالم الإسلامي، ولكنه دور ذو طابع شمولي، باعتبار أنه يخص الأمة الإسلامية جمعاء التي تحاصر اليوم وتحيط الأخطار بعقيدتها وثقافتها وحضارتها وأمن دولها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها وحاضرها ومستقبلها. فرسالة الأزهر لا تنتهي عند حدود جغرافية، لأنها رسالة إسلامية موجّهة إلى المسلمين جميعاً، وإلى غيرهم من دون استثناء، بحسبانها رسالة سلام وأخوة بين البشر ودعوة إنسانية تسع جميعَ الأمم والشعوب.
الأمن الفكري والثقافي الذي هو السند الأقوى للأمن الديني يحمي بيضة الدين، ويصون حرمته، ويدرأ عنه الخطر، ولا ينبغي أن يفصل عن الأمن السياسي والأمن الجنائي بأي حال. لأن المس بالأمن الديني يعرّض المجتمع للهزات، ويفتح الأبواب أمام التوترات والصدامات. وهذا ما لا يريده الغيورون على مصر الحريصون على سلامتها من كل مكروه، الذين يريدون أن تكون وجميع البلدان العربية الإسلامية، في مأمن من أي خطر يفتن الناس، ويمس بالأمن العام، ويغري الكارهين السلام المبغضين الإسلام باغتنام الفرص للانقضاض عليها.
إن البيان الواضح والصريح الذي صدر عن هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، كلمة حق وصدق ينبغي أن يتبعها عمل مسؤول ورشيد تقوم به الدولة لحماية أمنها وسلامة كيانها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة