من التفاصيل الجميلة جدا في المجتمع الغربي أن الألقاب لاوجود لها، لا في الحياة العائلية ولا حتى في الحياة العملية.
من التفاصيل الجميلة جدا في المجتمع الغربي أن الألقاب لاوجود لها، لا في الحياة العائلية ولا حتى في الحياة العملية.
حيث لاحظت بأن الألقاب لديهم تظل في براويز الشهادات وطي الأوراق البحثية والعلمية والكتب ولا تتجاوز ذلك. لا أحد يُنادى بالأستاذ ولا الدكتور أو حتى المهندس أو الطبيب فلان. سواء في ميادين الجامعات أم أسواق العمل، فالكل سواء لا أحد يضع مسماه الوظيفي في كل مكان على الأبواب والمكاتب وحتى مواقع التواصل الاجتماعي وبالصحف. الطبيب الشهير ستيفن الذي يحمل الدكتوراه ويدير مشفى، بل منطقة صحية كاملة يناديه كل من بالعمل بستيف هكذا وليس ستيفن!
نحن في الحقيقة نتأزم من ذلك اعتقادا منّا حين ننادي الشخص بلا لقب قد حطمنا الاحترام وقللنا من شأن صاحبه، نحن بهذا نخلق بيننا علاقة شديدة التكلف تحت طائل الاحترام، تتخللها رسائل مبطنة مغرقة في التعظيم والتبجيل للشخوص، علاقة شكلانية بحتة تذوب في داخلها أسمى المعاني الإنسانية في تأسيس العلاقات.
وفي المقابل نلتفت إلى اللقب ونهابه أكثر من إنجاز صاحبه، إضافة إلى أننا نصنع منه شخصا فوق الخطأ وفوق النقد وفوق المحاسبة.
إن الألقاب خدعة يتوارى خلفها إنجاز الشخص، فحين يسبق إنجازه اللقب تضع الناس كل ثقتها باللقب وتتقبل تحت غشاوة بريق اللقب نتاج إنجازه دون وعي بمدى جودته ودقته. وهي من جهة أخرى تمنح صاحبها عند العامة "سُلطة" يستطيع من خلالها أن يتحرك دون رقيب، ربما هذا أحد أهم أسباب تخلف المجتمعات العربية حين صنعوا هالة من التقديس للألقاب حول العديد من الأشخاص حتى أصبحوا فوق الشبهة والنقد مهما كان نتاجهم وعاثوا في مناصبهم فسادا تحت سلطة اللقب ووهم العامة.
فنحن بالألقاب نخلق لأصحابها سلطة وهمية تحصنهم من رؤية الآخرين لمواطن الخلل في أعمالهم وتعطيهم الحق في إصدار القرارات والأفعال التي قد لا تناسب من معهم ويتقبلونها فقط لأنها صادرة من صاحب اللقب، وقد لاحظ الفلاسفة قديما بأن الناس يثقون ثقة مطلقة بالمعرفة التلقائية التي تشربوها من بيئاتهم، وهذا ما يحدث مع المجتمعات العربية التي تشربت منذ نشأة الألقاب تاريخيا مع الوظائف العسكرية والمناصب السياسية والقبلية وعبر الزمن
انتقلت سياقيا إلى حالة تُعبّر عن تضخم الذات وبحثها عن هالة من احترام الآخرين وتقديرهم لها ومنحها هذا التضخم الحصانة حتى اعتقد العامة بأن هذه الألقاب تمنح أصحابها حصانة قضائية لا يمكن من خلالها محاسبتهم قانونيا.
حتى جهلت العامة كيفية المطالبة بحقوقها، فالدكتور الجامعي عندما يسطر لقبه على مكتبه وينظر إليه الطالب يتردد في محاسبته على نتيجته أو مناقشته في فكرته المغلوطة ويتقبلها دون حوار أو مراجعة خوفا من سلطة تترصد له في مسيرته الدراسية.
والطبيب المستشار فلان الفلاني يزدحم الناس عند عيادته والخطأ الطبي منه مقابل لقبه يأتي قضاءً وقدرًا!
إنها معضلة الألقاب التي تصنع وهما جماهيريا للنفوذ والسلطة والجهل الجماعي للحقوق الفردية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة