«لقد آن الأوان لتأسيس دولة كردية مستقلة في المنطقة وسندعم ذلك بكل قوة لأن ذلك من مصلحة إسرائيل ويضعف من قدرات أعدائها»
«لقد آن الأوان لتأسيس دولة كردية مستقلة في المنطقة وسندعم ذلك بكل قوة لأن ذلك من مصلحة إسرائيل ويضعف من قدرات أعدائها».
ليس هذا الكلام مما قلته أنا، بل صدر هذا التصريح من وزيرة العدل الإسرائيلية أياليد شاكيد. أتى هذا التصريح في سياق مناقشات المؤتمر السنوي للأمن الإسرائيلي الذي اجتمع قبل فترة وجيزة. لم تكتف الوزيرة شاكيد بذلك بل رسمت الخريطة المرجوة قائلة أنها يجب أن تتحدد بين تركيا وإيران.
قالت شاكيد أيضاً أن الأكراد قوم مسالمون لم يتجهوا للعنف أبداً وهم يحافظون على حقوق الإنسان ويحترمون حقوق المرأة ولم يسبق لهم أن اعتدوا على أية مجموعة سكانية في منطقة الشرق الأوسط.
وإذا كنت لا أعارض وصف الأكراد بهذه الصفات الحميدة لعلمي بأنهم أثروا الحياة العامة في تركيا وفي العراق وحتى في الدول التي هاجروا إليها، فإنني متأكد من أن صورة الكردي في ذهن شاليد ليست مما أشرت إليهم بل تلك الحركات السياسية التي تضعف من قدرات أعداء إسرائيل وتروج للإجهاز على وحدة دول المنطقة.
وبالنسبة إلى العنف فلا أستطيع تبرئة أية مجموعة من تفريخها للإرهاب فكما هناك الكثير من الحركات الإرهابية التي ولدت من رحم المجموعات الأوروبية والآسيوية والأفريقية فهناك بالتأكيد حركات عنف وإرهاب عانى منها الأكراد قبل غيرهم، والكثيرون ممن يعلمون بواطن الأمور ما زالوا يصنفون سواء حركة «أنصار الإسلام» أو «العمال الكردستاني» أو رديفتها السورية كمنظمات إرهابية.
إلا أن ما يثير الابتسام والرثاء ما قالته الوزيرة من دفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والتطلعات الحضارية. فالوزيرة شاكيد تقول في اجتماع آخر ما ترجمته الحرفية كما يلي:
«يجب إعلان الحرب على كامل الشعب الفلسطيني، كما أن من الضرورة التأكد من أن أي شاب فلسطيني يقتل قد قتلت والدته أيضاً».
والمعروف أن شاكيد كانت من أعوان نتانياهو والذي كان قد أعلن عام 2014 أن من الضروري تفتيت الدول المعنية لخلق دولة كردية مستقلة. حينها قال البعض أن نتانياهو يراهن على أصوات أكثر من مائتي ألف يهودي من أصل كردي في إسرائيل.
إن العالم يتجه حالياً إلى المسلمات الحضارية في الشراكة الوطنية حيث يمكن لكل فرد مواطن أن يمارس حقوقه الحضارية من دون تمييز ولكن من دون الاتجاه إلى التفرد في القرار وتفتيت الوحدة الوطنية بسبب الجنس أو اللون أو اللغة. والكثير من دساتير الدول تبشر بهذه المفاهيم رغم أن التطبيق يتعثر في بعضها بسبب الاستئثار والتفرد في الحصول على المنافع أو قمع أي صوت مخالف.
يقول البعض أن انشطار الدول أمر طبيعي بل مطلوب إذا اتجهت النية لذلك ويضربون مثلاً على ذلك الطلاق المخملي بين التشيك والسلوفاك في أوروبا أو حتى بين شمال وجنوب السودان. ولكنهم يتناسون محاولات المجتمع الدولي حالياً لتوحيد القبارصة اليونانيين والأتراك على الاندماج في دولة واحدة كإحدى المسلمات الحضارية للعيش المشترك.
ليتنا نتعلم من تجارب الآخرين ونبدأ من حيث انتهوا. فالأمم الأوروبية تطاحنت وتصارعت وقتل في الحرب العالمية الثانية أكثر من خمسين مليوناً من مختلف القوميات، ولكن العقل والمنطق قد تغلبا بحيث تفاهموا على مشروع سلام حضاري وها هو الاتحاد الأوروبي يشمل الكل بما في ذلك من كان يسفك دماء الآخرين.
كنت قبل أعوام قد بدأت حملة ترمي إلى التخلي عن «ثقافة» الخطف بعد أن أصبح خطف المدنيين الأبرياء سلاحاً سياسياً يستخدم فيه من لا ذنب له ولا جريرة سواء في العراق أو في لبنان أو في بلدان أخرى من منطقتنا الموبوءة بهذا العيب. وقد دعوت المثقفين والصحافيين وكتاب الأعمدة إلى الانخراط في هذه الحملة والعمل من أجلها من أجل التوعية وتركيز السلطات على محاربة هذه الجرائم، فكتب لي صحافي عربي مشهور قائلاً: انك تدعو إلى التخلي عن جريرة الخطف ولكن هناك أوطان تختطف!
نعم، لعلنا نعي أن ما يسيء إلى سمعتنا كأمة وأوطان من التناحر والتهميش والإقصاء وعدم القبول بالآخر هي أمور يجب علينا الخلاص منها، ولكن المسألة الأولى أن لا نسمح لأوطاننا أن تختطف.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة