وافق البرلمان على قانون يسمح للسلطات بمصادرة مدخرات اللاجئين ومتعلقاتهم الشخصية الثمينة مثل المجوهرات مقابل منحهم حق اللجوء
الأسبوع الأخير كان حافلًا بالأخبار السيئة للفارين من ويلات الحروب فى بلادهم. ففى الدنمارك، وافق البرلمان على قانون عجيب فى مضمونه يسمح للسلطات بمصادرة مدخرات اللاجئين ومتعلقاتهم الشخصية الثمينة مثل المجوهرات مقابل منحهم حق اللجوء. وهو الإجراء نفسه الذى اتخذته حكومة سويسرا. وتقول الحكومتان إن تلك الأموال المصادرة سيتم إنفاقها على اللاجئين، وتؤكدان أن ذلك الإجراء هو نفسه المتبع مع مواطنى الدولتين ممن يتقدمون بطلبات للحصول على إعانة حكومية لسدّ نفقات المعيشة، رغم الفارق الواضح بين الحالتين. فاللاجئ الذى يترك وطنه هربًا من ويلات الحرب له حقوق وفق اتفاقات جنيف، ولا يفترض فيه أن يكون متسولًا حتى يحصل على حق اللجوء. والدنمارك وسويسرا ليستا الوحيدتين فى اتخاذ إجراءات قاسية.
فالسويد هى الأخرى أعلنت أنها بصدد طرد ما يصل إلى ثمانين ألفًا من المتقدمين للحصول على حق اللجوء. وهو ما يعد مساويًا لحوالى 45% من مجموع الذين وصلوا للأراضى السويدية هربًا من جحيم الحرب فى بلادهم. ولأول مرة منذ الخمسينات، تقوم السويد بوضع قيود على الدخول لأراضيها خصوصًا من حدودها الجنوبية مع الدنمارك، الأمر الذى أدى لتشديد الدنمارك للرقابة على تدفق اللاجئين إليها عبر حدودها مع ألمانيا. ويعتبر الموقف السويدى تحديدًا بمثابة تحول راديكالى بعد أن كان رئيس وزرائها قد نطق قبل شهور بكلمات تأثر بها الملايين حين قال إن «أوروبا التى أعرفها تفتح بابها للهاربين من الحروب. أوروبا التى أعرفها لا تبنى أسوارًا». غير أن المفاجأة الحقيقية فى كل ذلك هى أن كلًّا من السويد والدنمارك تحديدًا من الدول التى طالما تنافست على معنى نبيل يصف كل منهما بالدولة «الملاذ للهاربين من ويلات الصراعات والحروب حول العالم».
والأخبار من أوروبا كلها على نفس الخطى. فقد دخلت دولتا التشيك والسلوفاك معركة حامية مع اليونان. فهما أدانتا الحكومة اليونانية «لعجزها عن منع تدفق» اللاجئين منها إلى دول شمال أوروبا، بينما أعلن وزراء داخلية الاتحاد الأوروبى استعدادهم لوقف العمل بتأشيرة «الشنجن» التى تسمح بالمرور الحرّ بين دول الاتحاد. وهو ما اعتبرته اليونان موجهًا لها، فوصف وزيرها لشؤون الاتحاد الأوروبى ما يجرى بالإجراءات «الهستيرية» وقال غاضبا فى حوار مع صحيفة الجارديان «إذا كان زملاؤنا وشركاؤنا فى الاتحاد الأوروبى يرون أن علينا أن نترك الناس لتغرق أو نُغرق نحن مراكبهم فهذا لن يحدث. ربما سنعانى ولكن سنتدبر أمورنا».
الأخطر من ذلك أن رئيس وزراء الدنمارك كان قد طالب «بتغيير قواعد اللعبة» عن طريق إعادة النظر فى اتفاق جنيف لحقوق اللاجئين. وهو ما أدى بمسؤولى الأمم المتحدة للإدلاء بتصريحات تحذر من مغبة مثل ذلك الاقتراح واصفين الدول الغربية بالنكوص عن التزاماتها بموجب التوقيع على الاتفاق المذكور وتراجع عن تقدم ضخم أنجزته البشرية بإنجاز تلك الاتفاقات.
وأنت تقرأ كل ذلك، يبدو لك، عزيزى القارئ، أن اللاجئين عبارة عن مجرد أرقام فى جدول على قطعة صغيرة من الورق، لا بشر من لحم ودم وشعور. وكأنما محنة ترك قراهم ومدنهم وسط جحيم الحروب لا تكفى لاحتضانهم. وكأن تشتت الأسر وفقدان الأعزاء فى ويلات الحروب ليس كافيًا من أجل بعض الرحمة بأولئك الخارجين من بين أمواج البحر يرتجفون فى شتاء قارس. ما هذا العالم الذى نعيش فيه؟!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة