ترتفع أصوات السوريين المنددين بتواطؤ العالم الخارجي على ثورتهم ومساهمة الدول التي كانت تصنف نفسها في صف الثورة، في تطويقها وخنقها
مع إطباق قوات النظام السوري والميليشيات الطائفية التابعة له على مدينة حلب، بمساعدة الطيران الروسي، ترتفع أصوات السوريين المنددين بتواطؤ العالم الخارجي على ثورتهم ومساهمة الدول التي كانت تصنف نفسها في صف الثورة، في تطويقها وخنقها وإسقاطها.
إنه عالم قذر يتفرج لامبالياً على أطفال سورية يموتون تحت أنقاض المنازل التي تدكها طائرات فلاديمير بوتين، ويتجاهل كل تقارير المنظمات الدولية وغير الحكومية عن ارتكاب جيش بشار الأسد وأنصاره اللبنانيين والعراقيين والإيرانيين والروس، جرائم حرب وإبادة.
أسباب عديدة تحمل السوريين على الاحتجاج على مستوى نادر من سفالة العالم في التعامل مع مأساتهم.
لا تكفي أعداد الضحايا والمصابين واللاجئين لوصف عمق ما جرى ويجري في سورية. ولا يكفي التأمل في وجوه مسؤولي النظام لإدراك سواد المستقبل الذي سيلاقيه الشعب السوري إذا استتبت الأمور لهؤلاء المسؤولين مجدداً.
في المقابل، لا معنى لسرد بارد لمبررات الدول الغربية الرافضة وقف تصاعد جنون النظام السوري وحلفائه، وهي الوحيدة القادرة على فعل ذلك، من دون أن ينسف السرد هذا كل ما تقول أوروبا وأميركا إنهما قامتا عليه من أسس حقوقية وسياسية وثقافية.
وإذا نحّينا جانباً الأزمة العميقة التي تمر بها المجتمعات الغربية منذ أعوام، والتي تكاد تطيح بأنظمتها وقوانينها وتدفعها للوقوف عاجزة أمام تمدد اليمين المتطرف وانهيار مواقع اليسار واليمين التقليديين، يتعين القول إن «القذارة» بالمعنى الذي يقصده السوريون المفجوعون بخبث الحلفاء المفترضين قبل لؤم الأعداء، ليست حدثاً عارضاً على العالم.
لقد كان العالم قذراً عندما هادن الحكم النازي وسلمه مقاطعة السوديت التشيكية، وكان قذراً عندما رسم حدود نفوذ القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من دون أخذ حقوق الشعوب وآرائها في الاعتبار، ولم يتخل عن قذارته عندما راقب عصابات الهاغانا وأرغون تطرد الفلسطينيين من بيوتهم وتشتتهم في الأرض، وطبعاً كان قذراً أثناء حصار بيروت ومذابح صبرا وشاتيلا في 1982، ورافقته الصفة ذاتها أثناء حرب البوسنة وحصار سراييفو، وخلال فظائع رواندا في 1994 وحروب البحيرات الأفريقية الكبرى... ولائحة طويلة من المصائب التي سببها البشر بعضهم لبعض.
بيد أن الاعتراض على قذارة العالم ينطوي على دهشة المُعترض إزاء حقيقة لم يتوقعها. ربما صدقنا ما روّجت له مدارسنا عن أن الإنسان يولد طيباً، وأن العالم قد بلغ بعد قرون من التنوير وحكم القانون وفي ظل مواثيق دولية عن حقوق الإنسان والقانون الإنساني، مستوى من الرقي يمنعه من الوقوف جامداً أمام أهوال المعاناة الإنسانية في أي مكان تقع فيه. ويبدو أننا نسينا في المقابل، التحذير الشهير من أن «الإنسان ذئب الإنسان»، وأن قطعان الذئاب البشرية لا تتشكل قرابياً بالضرورة، بل مصلحياً وموضوعياً، فـ «يُبشّر» جون كيري بالقضاء على المعارضة السورية في ثلاثة شهور، ويظهر وليد المعلم ليكرر ما كان يقول منذ خمس سنوات.
تكتمل دائرة الفضيحة عند جمع عناصرها المحلية والخارجية. وما كان للقذارة أن تفاجئنا لولا ذلك الانقطاع المديد عن الاحتكاك بالعالم وبقيمه الحقيقية واستخلاص الدروس من تجارب القذارة السابقة. ضعفنا الذاتي وترددنا وإخفاقاتنا لم تقلّ «قذارة» عما قابلنا العالم به.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة