كلما تجلس معها تتحدث معك بكثير من الاعتزاز ببلدها التى توفر لها هى وكل المواطنين واللاجئين والمهاجرين كل من الخدمات الصحية والتعليمية
كلما تجلس معها تتحدث معك بكثير من الاعتزاز ببلدها التى توفر لها هى وكل المواطنين واللاجئين والمهاجرين كل من الخدمات الصحية والتعليمية الجيدة، إن لم يكن الممتازة جدا، فى مقابل أن تقوم الدولة بفرض ضرائب عالية. تردد أنها كانت تعمل فى مهنة التدريس، حيث تعلمت فى أحسن الجامعات ومن بعدها تدربت لتكون مدرسة ومعلمة حقة وكل ذلك على نفقات الدولة ولذلك فهى ملتزمة بدفع الضرائب وبكثير من السعادة أيضا.
هى وغيرها من المواطنين الحق فى الدول التى تقدر أهمية ومسئولية الدولة عن مواطنيها، الذين لا يجدون فى الضرائب المباشرة أو غير المباشرة، أى مسألة تدفع بنقاش مجتمعى لأنهم أيضا يملكون نظاما ديمقراطيا وشفافا، وينتخبون نواب حق. يناقشون كل هذه المسائل بشكل لا يدعو للشك أو المساءلة ويصوتون على كل تغيير فى الأنظمة المعمول بها فى الدولة.
***
الأمر المحير أن بعض دول منطقتنا كلما ضاقت بها الميزانيات، التى لا يعرف أحد كيف توضع وكيف تصرف وأين تختفى منها المبالغ بالأصفار الكثيرة!!!، هى التى تستغرب أن يتذمر المواطنون عندما ترفع الأسعار على الخدمات الأساسية. بل ويستطيع أحدهم وهو وزير ربما أو مسئول آخر ــ كل ما يملكه هو قربه من السلطة التى تصنع الحكومات وتغيرها كما تشاء دون تفسير لأحدو دون رقيب من أحد – يستطيع أن يتعالى على الجميع وترديد أن زمن «تدليع المواطن» قد ولى دون رجعة. وأنه على المواطن ورجال الأعمال أن يتحملوا مسئولياتهم تجاه بلدانهم وهو أمر يدعو للضحك أكثر من أى شىء آخر. فعندما تكون الدولة تعتمد على اقتصاد ريعى وعندما لا يكون للمواطن أى تأثير على صنع القرار أو حتى ربما فى صياغته، وعندما يكون التعريف الأنسب هو أنهم، أصلا، رعايا وليسوا مواطنين عندها يبدو موضوع «دلعهم» غير مفهوم، إن لم يكن مثارا للسخرية.
معروف أن الكثير من الدول ضمنت صمت المواطن الرعية أو ربما أخرست صوته عبر قيام الدولة بالكثير من المسئوليات والأعباء بما فى ذلك أن تكون هى صاحب العمل الأكبر فى هذا البلد أو ذاك. وأن تقدم خدمات مجانية كثيرة، ليس بالضرورة أن تكون جيدة ولكنها متوفرة فقط. كما أنها توفر الدعم على السلع الأساسية، ولكن أن تقوم نفس تلك الدولة فجأة برفع الأسعار وفرض ضرائب، حتى لو كانت التسمية ليست ضرائب، وأن تطارد المواطن فى «سرقة» قوته اليومى تحت ذرائع انخفاض عوائد النفط أو غيرها من الحجج فيما لا يعرف المواطن أصلا إلى أين كانت تذهب عوائد النفط وغيره من الثروات وأرباحه. هنا يدعو الأمر إلى وقفة حقيقية، وأن يطالب بمعرفة كل شىء، وأولها كيف تقسم الميزانية الأساسية للبلد وإلى أين يذهب القسط الأكبر منها وما نصيب التعليم والصحة وغيرهم من كل هذا. كل ذلك إلى جانب فتح باب النقاش حول الفساد الذى بدأ يأكل فى هياكل العديد من دول منطقتنا رغم أنه ليس داء عربيا قُح ولكنه أصبح أكثر الأمراض انتشارا فى منطقتنا، رغم الفوارق بين دولة وأخرى فى حجم المداخيل والثروات. الفساد الذى تحول إلى مادة للضحك والسخرية بين مواطنين ورعايا لا يملكون سوى الدعابة سلاح فى مواجهة هذا الكم من الفساد والضرائب المتصاعدة تحت ذرائع وأسماء عدة.
***
نفس تلك السخرية تنتابك وأنت تقرأ أن سكان مدينة جنيف يرفضون بناء جسر آخر فوق بحيرتهم الجميلة وأنهم يطرحون هذا الأمر للتصويت كل عام فيسقط المشروع وتحترم إرادة الأغلبية حتى ولو سبب ذلك بعض الضيق فى المرور فى أوقات الذروة.. هم يصوتون ليبنوا جسر قد لا يؤثر كثيرا على بحيرتهم وبيئتهم وهنا ترفع الأسعار ويرفع الدعم عن السلع الأساسية ويردم البحر موجة موجة حتى الموجة الأخيرة والجميع لا يملك سوى الاندهاش بحجم الاستهتار بهذا المواطن / الرعية وهذا الوطن المزرعة!!!!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة